أَلَمْ تَرَ أَنِّي وَوَحْشِيَّهُمْ … ضَرَبْنَا مُسَيْلِمَةَ الْمُفَتَتَنْ
يُسَائِلُنِي النَّاسُ عَنْ قَتْلِهِ … فَقُلْتُ ضَرَبْتُ وَهَذَا طَعَنْ
فَلَسْتُ بِصَاحِبِهِ دُونَ … وَلَيْسَ بِصَاحِبِهِ دُونَ شَنْ
وَأَغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الَّذِي قَتَلَ مُسَيْلِمَةَ هُوَ خِلَاسُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ الْأَصَمِّ.
قَوْلُهُ: (فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ) فِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ: فَرَبُّكَ أَعْلَمُ أَيُّنَا قَتَلَهُ، فَإِنْ أَكُ قَتَلْتُهُ فَقَدْ قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ وَشَرَّ النَّاسِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، وَفِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ: فَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ: وَكَانَ قَدْ شَهِدَ الْيَمَامَةَ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ: وَاأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ)، هَذَا فِيهِ تَأْيِيدٌ لِقَوْلِ وَحْشِيٍّ أَنَّهُ قَتَلَهُ، لَكِنْ فِي قَوْلِ الْجَارِيَةِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُسَيْلِمَةَ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَنَبِيَّ اللَّهِ، وَالتَّلْقِيبُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَوَّلُ مَنْ لُقِّبَ بِهِ عُمَرُ، وَذَلك كُلُّهُ قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ بِمُدَّةٍ، فَلْيُتَأَمَّلْ هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ التِّينِ: كَانَ مُسَيْلِمَةُ تسَمَّى تَارَةً بِالنَّبِيِّ وَتَارَةً بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَإِلَّا فَيَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ بِذَلِكَ وَالَّذِي فِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنْتُ فِي الْجَيْشِ يَوْمَئِذٍ، فَسَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ فِي مُسَيْلِمَةَ: قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ وَلَمْ يَقُلْ: أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْجَارِيَةُ أَطْلَقَتْ عَلَيْهِ الْأَمِيرَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَمْرَ أَصْحَابِهِ كَانَ إِلَيْهِ وَأَطْلَقَتْ عَلَى أَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِاعْتِبَارِ إِيمَانِهِمْ بِهِ، وَلَمْ تَقْصِدْ إِلَى تَلْقِيبِهِ بِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ وَجَدْتُ فِي كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ بْنِ دِحْيَةَ الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ عُمَرَ أَوَّلُ مَنْ لُقِّبَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ: قَدْ تَسَمَّى بِهِ مُسَيْلِمَةُ قَبْلَهُ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي قِصَّةِ وَحْشِيٍّ، يُشِيرُ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ثُمَّ النَّوَوِيُّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ دِحْيَةَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّ الْجَارِيَةَ صَاحَتْ لَمَّا أُصِيبَ مُسَيْلِمَةُ: وَاأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَسْمِيَتُهُ بِذَلِكَ. اهـ. وَاعْتَرَضَ مُغَلْطَايْ أَيْضًا بِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ قِيلَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَمْ يُلَقَّبْ بِهِ، وَإِنَّمَا خُوطِبَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ أَمِيرٍ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى سَرِيَّةٍ. وَفِي حَدِيثِ وَحْشِيٍّ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ، مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الذَّكَاءِ الْمُفْرِطِ، وَمَنَاقِبُ كَثِيرَةٍ لِحَمْزَةَ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْءَ يَكْرَهُ أَنْ يَرَى مَنْ أَوْصَلَ إِلَى قَرِيبِهِ أَوْ صَدِيقِهِ أَذًى، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ وُقُوعُ الْهِجْرَةِ الْمَنْهِيَّةِ بَيْنَهُمَا. وَفِيهِ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَالْحَذَرُ فِي الْحَرْبِ، وَأَنْ لَا يَحْتَقِرَ الْمَرْءُ مِنْهَا أَحَدًا، فَإِنَّ حَمْزَةَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رَأَى وَحْشِيًّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْتَرِزْ مِنْهُ احْتِقَارًا مِنْهُ إِلَى أَنْ أُتِيَ مِنْ قِبَلِهِ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَلْتَمِسُ حَمْزَةَ، فَوَجَدَهُ بِبَطْنِ الْوَادِي قَدْ مُثِّلَ بِهِ، فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تَحْزَنَ صَفِيَّةُ - يَعْنِي بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - وَتَكُونُ سُنَّةً بَعْدِي لَتَرَكْتُهُ حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ بُطُونِ السِّبَاعِ وَحَوَاصِلِ الطَّيْرِ، زَادَ ابْنُ هِشَامٍ قَالَ: وَقَالَ: لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِكَ أَبَدًا. وَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ حَمْزَةَ مَكْتُوبٌ فِي السَّمَاءِ أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ. وَرَوَى الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا رَأَى حَمْزَةَ قَدْ مُثِّلَ بِهِ قَالَ: رَحْمَتُ اللَّهِ عَلَيْكَ، لَقَدْ كُنْتَ وَصُولًا لِلرَّحِمِ، فَعُولًا لِلْخَيْرِ، وَلَوْلَا حُزْنُ مَنْ بَعْدِكَ لَسَرَّنِي أَنْ أَدَعَكَ حَتَّى تُحْشَرَ مِنْ أَجْوَافٍ شَتَّى. ثُمَّ حَلَفَ وَهُوَ بِمَكَانِهِ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ﴾ الْآيَةَ وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute