وَإِنَّمَا ذَكَرُوا أَنَّ الَّذِي قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ بِبَدْرٍ خُبَيْبُ بْنُ أَسَافٍ، وَهُوَ غَيْرُ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ، وَهُوَ خَزْرَجِيٌّ، وَخُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ أَوْسِيٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْتُ: يَلْزَمُ مِنَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ رَدُّ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، فَلَوْ لَمْ يَقْتُلْ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ، الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ مَا كَانَ لِاعْتِنَاءِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ بِأَسْرِ خُبَيْبٍ مَعْنًى وَلَا بِقَتْلِهِ، مَعَ التَّصْرِيحِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ بِهِ، لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَتَلُوهُ بِخُبَيْبِ بْنِ عدي لِكَوْنِ خُبَيْبِ بْنِ أَسَافٍ قَتَلَ الْحَارِثَ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِقَتْلِ بَعْضِ الْقَبِيلَةِ عَنْ بَعْضٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ شَرَكَ فِي قَتْلِ الْحَارِثِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ)، فِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ: فَحَبَسُوهُمَا حَتَّى خَرَجَتِ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ، ثُمَّ أَخْرَجُوهُمَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَقَتَلُوهُمَا، وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ: فَأَسَاءُوا إِلَيْهِ فِي أسَارِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا تَصْنَعُ الْقَوْمُ الْكِرَامُ هَذَا بِأَسِيرِهِمْ، قَالَ: فَأَحْسَنُوا إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَجَعَلُوهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ تَحْرُسُهُ. وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ مَوْهِبٍ مَوْلَى آلِ نَوْفَلٍ قَالَ: قَالَ لِي خُبَيْبٌ وَكَانُوا جَعَلُوهُ عِنْدِي: يَا مَوْهِبُ أَطْلُبُ إِلَيْكَ ثَلَاثًا؛ أَنْ تَسْقِيَنِي الْعَذْبَ، وَأَنْ تُجَنِّبَنِي مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، وَأَنْ تُعْلِمَنِي إِذَا أَرَادُوا قَتْلِي.
قَوْلُهُ: (حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ اسْتَعَارَ مُوسَى)، هَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ مُدْرَجَةً فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، وَكَذَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَقَدْ وَصَلَهَا شُعَيْبٌ فِي رِوَايَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ: قَالَ: فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى، وَوَقَعَ فِي الْأَطْرَافِ لِخَلَفٍ أَنَّ اسْمَهَا زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ، وَهِيَ أُخْتُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ الَّذِي قَتَلَ خُبَيْبًا، وَقِيلَ: امْرَأَتُهُ.
وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ الْمَذْكُورُ، قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: أَغْفَلَهُ مَنْ صَنَّفَ فِي رِجَالِ الْبُخَارِيِّ، قُلْتُ: لَكِنْ تَرْجَمَ لَهُ الْمِزِّيُّ وَذَكَرَ أَنَّهُ تَابِعِيٌّ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا، وَرَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ وَغَيْرُهُمَا، وَالْقَائِلُ فَأَخْبَرَنِي هُوَ الزُّهْرِيُّ، وَوَهَمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: حَدَّثَتْ مَارِيَةُ مَوْلَاةُ حُجَيْنِ بْنِ أَبِي إِهَابٍ، وَكَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ قَالَتْ: حُبِسَ خُبَيْبٌ فِي بَيْتِي، وَلَقَدِ اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَقِطْفًا مِنْ عِنَبٍ مِثْلَ رَأْسِ الرَّجُلِ يَأْكُلُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ مَارِيَةَ وَزَيْنَبَ رَأَتِ الْقِطْفَ فِي يَدِهِ يَأْكُلُهُ، وَأَنَّ الَّتِي حُبِسَ فِي بَيْتِهَا مَارِيَةُ، وَالَّتِي كَانَتْ تَحْرُسُهُ زَيْنَبُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَارِثُ أَبًا لِمَارِيَةَ مِنَ الرَّضَاعِ، وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ بَطَّالٍ أَنَّ اسْمَ الْمَرْأَةِ جُوَيْرِيَةُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا رَأَى قَوْلَ ابْنِ إِسْحَاقَ: إِنَّهَا مَوْلَاةُ حُجَيْنِ بْنِ أَبِي إِهَابٍ أَطْلَقَ عَلَيْهَا جُوَيْرِيَةَ لِكَوْنِهَا أَمَةً، أَوْ يَكُونُ وَقَعَ لَهُ رِوَايَةٌ فِيهَا أَنَّ اسْمَهَا جُوَيْرِيَةُ. وَقَوْلُهُ: مُوسَى يَجُوزُ فِيهِ الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ، وَقَوْلُهُ: لِيَسْتَحِدَّ بِهَا فِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ: لِيَسْتَطِيبَ بِهَا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْلِقُ عَانَتَهُ.
قَوْلُهُ: (قَالَتْ: فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي)، ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَنَّ هَذَا الصَّبِيَّ هُوَ أَبُو حُسَيْنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيِّ الْمُحَدِّثِ، وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِ الزُّهْرِيِّ. وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ: وَكَانَ لَهَا ابْنٌ صَغِيرٌ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ الصَّبِيُّ فَأَخَذَهُ فَأَجْلَسَهُ عِنْدَهُ، فَخَشِيَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَنَاشَدَتْهُ، وَعِنْدَ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ: فَأَخَذَ خُبَيْبٌ بِيَدِ الْغُلَامِ فَقَالَ: هَلْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْكُمْ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ هَذَا ظَنِّي بِكَ. فَرَمَى لَهَا الْمُوسَى وَقَالَ: إِنَّمَا كُنْتُ مَازِحًا، وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ: مَا كُنْتُ لِأَغْدِرَ، وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ جَمِيعًا، أَنَّ مَارِيَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي خُبَيْبٌ حِينَ حَضَرَهُ الْقَتْلُ: ابْعَثِي لِي بِحَدِيدَةٍ أَتَطَهَّرُ بِهَا، قَالَتْ: فَأَعْطَيْتُهُ غُلَامًا مِنَ الْحَيِّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يُقَالُ: إِنَّ الْغُلَامَ ابْنُهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute