قَوْلُهُ: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ ﷺ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخُرُوجِ) يَعْنِي فِي الْهِجْرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى بِطُولِهِ فِي أَبْوَابِ الْهِجْرَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مِنْهُ هَهُنَا هَذِهِ الْقِطْعَةَ مِنْ أَجْلِ ذِكْرِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ لِيُنَبِّهَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ السَّابِقِينَ.
قَوْلُهُ فِيهِ: (فَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ غُلَامًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ أَخُو عَائِشَةَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَخِي عَائِشَةَ وَهُمَا جَائِزَانِ الْأُولَى عَلَى الْقَطْعِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْبَدَلِ، وَفِي قَوْلِهِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الطُّفَيْلِ نَظَرٌ وَكَأَنَّهُ مَقْلُوبٌ وَالصَّوَابُ كَمَا قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ، الطُّفَيْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ، وَهُوَ أَزْدِيٌّ مِنْ بَنِي زَهْرَانَ، وَكَانَ أَبُوهُ زَوْجَ أُمِّ رُومَانَ وَالِدَةِ عَائِشَةَ، فَقَدِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَكَّةَ فَخَالَفَ أَبَا بَكْرٍ، وَمَاتَ وَخَلَفَ الطُّفَيْلُ، فَتَزَوَّجَ أَبُو بَكْرٍ امْرَأَتَهُ أُمَّ رُومَانَ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَعَائِشَةَ، فَالطُّفَيْلُ أَخُوهُمَا مِنْ أُمِّهِمَا، وَاشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ، عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ مِنَ الطُّفَيْلِ.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ أَبِي أُسَامَةَ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَإِنَّمَا فَصَّلَهُ لِيُبَيِّنَ الْمَوْصُولَ مِنَ الْمُرْسَلِ، وَكَأَنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ حَدَّثَ بِهِ عَنْ أَبِيهِ هَكَذَا فَذَكَرَ قِصَّةَ الْهِجْرَةِ مَوْصُولَةً بِذِكْرِ عَائِشَةَ فِيهِ، وَقِصَّةَ بِئْرِ مَعُونَةَ مُرْسَلَةً لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ عَائِشَةَ. وَوَجْهُ تَعَلُّقِهِ بِهِ مِنْ جِهَةِ ذِكْرِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي شَأْنِ الْهِجْرَةِ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ، وَفِيهِ: فَلَمَّا خَرَجَا - أَيِ النَّبِيُّ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ - خَرَجَ مَعَهُمْ أَيْ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَوْلُهُ يَعْقُبَانِهِ بِالْقَافِ أَيْ يَرْكَبَانِهِ عَقَبَةً، وَهُوَ أَنْ يَنْزِلَ الرَّاكِبُ وَيَرْكَبَ رَفِيقُهُ ثُمَّ يَنْزِلَ الْآخَرُ وَيَرْكَبَ الْمَاشِي، هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فِي الْعَقَبَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا يُرْكِبُهُ مَرَّةً وَهَذَا يُرْكِبُهُ أُخْرَى، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ التَّعْبِيرُ بِيُرْدِفَانِهِ أَظْهَرَ.
قَوْلُهُ: (فَقُتِلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ) هَذَا آخِرُ الْحَدِيثِ الْمَوْصُولِ، ثُمَّ سَاقَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ صِفَةَ قَتْلِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ مُرْسَلَةً، وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ سِيَاقُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ مَوْصُولًا بِهِ مُدْرَجًا، وَالصَّوَابُ مَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ.
قَوْلُهُ: (لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ) أَيِ الْقُرَّاءُ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ (وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ) قَدْ سَاقَ عُرْوَةُ ذَلِكَ فِي الْمَغَازِي مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْهُ، وَفِي رِوَايَتِهِ وَبَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو السَّاعِدِيَّ إِلَى بِئْرِ مَعُونَةَ وَبَعَثَ مَعَهُ الْمُطَّلِبَ السُّلَمِيَّ لِيَدُلَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ، فَقُتِلَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو وَأَصْحَابُهُ، إِلَّا عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ فَإِنَّهُمْ أَسَرُوهُ وَاسْتَحْيَوْهُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ اجْتَزَّ نَاصِيَتَهُ وَأَعْتَقَهُ عَنْ رَقَبَةٍ كَانَتْ عَلَى أُمِّهِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: مَنْ هَذَا؟ فَأَشَارَ إِلَى قَتِيلٍ) فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: هَلْ تَعْرِفُ أَصْحَابَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَطَافَ فِي الْقَتْلَى فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَنْسَابِهِمْ.
قَوْلُهُ: (هَذَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ) وَهُوَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ.
قَوْلُهُ: (لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَمَا قُتِلَ) فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ الْمَذْكُورَةِ فَأَشَارَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ: هَذَا طَعَنَهُ بِرُمْحِهِ ثُمَّ انْتَزَعَ رُمْحَهُ فَذُهِبَ بِالرَّجُلِ عُلُوًّا فِي السَّمَاءِ حَتَّى مَا أَرَاهُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ وُضِعَ) أَيْ إِلَى الْأَرْضِ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَارَتْهُ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْرِكُونَ، وَهَذَا وَاقِعٌ عِنْدَ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَفِي ذَلِكَ تَعْظِيمٌ لِعَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ وَتَرْهِيبٌ لِلْكُفَّارِ وَتَخْوِيفٌ، وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ الْمَذْكُورَةِ وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِلَابٍ جَبَّارُ بْنُ سَلْمَى، ذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا طَعَنَهُ قَالَ: فُزْتُ وَاللَّهِ قَالَ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا قَوْلُهُ فُزْتُ؟ فَأَتَيْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: بِالْجَنَّةِ. قَالَ: فَأَسْلَمْتُ، وَدَعَانِي إِلَى ذَلِكَ مَا رَأَيْتُ مِنْ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ انْتَهَى. وَجَبَّارُ بِالْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ مُثَقَّلٌ مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ، وَوَقَعَ فِي تَرْجَمَةِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ فِي الِاسْتِيعَابِ أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ قَتَلَهُ، وَكَأَنَّ نِسْبَتَهُ لَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ لِكَوْنِهِ كَانَ رَأْسَ الْقَوْمِ.
قَوْلُهُ: (فَأَتَى النَّبِيَّ