للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَنْ إِعَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ: فَأَجَازَهُ أَيْ أَمْضَاهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ، وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: أَجَازَهُ مِنَ الْإِجَازَةِ وَهِيَ الْأَنْفَالُ أَيْ أَسْهَمَ لَهُ، قُلْتُ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَيَرُدُّ الثَّانِيَ هُنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ غَنِيمَةٌ يَحْصُلُ مِنْهَا نَفْلٌ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَعْرِضُ الْغِلْمَانَ وَهُوَ يَحْفِرُ الْخَنْدَقَ، فَأَجَازَ مَنْ أَجَازَ وَرَدَّ مَنْ رَدَّ إِلَى الذَّرَارِيِّ فَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِجَازَةِ الْإِمْضَاءُ لِلْقِتَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَبْدَأِ الْأَمْرِ قَبْلَ حُصُولِ الْغَنِيمَةِ أَنْ لَوْ حَصَلَتْ غَنِيمَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ.

قَوْلُهُ: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي الْخَنْدَقِ وَهُمْ يَحْفِرُونَ) قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ السَّبَبِ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ فِي مَغَازِي ابْنِ عُقْبَةَ، وَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ جَمْعُهُمْ أَخَذَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْعَمَلِ مَعَهُمْ مُسْتَعْجِلِينَ يُبَادِرُونَ قُدُومَ الْعَدُوِّ، وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ نَحْوَهُ، وَعِنْدَ مُوسَى أَنَّهُمْ أَقَامُوا فِي عَمَلِهِ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ، وَفِي الرَّوْضَةِ لِلنَّوَوِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَفِي الْهَدْيِ لِابْنِ الْقَيِّمِ أَقَامُوا شَهْرًا.

قَوْلُهُ: (وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا) بِالْمُثَنَّاةِ جَمْعُ كَتِدٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْكَاهِلِ إِلَى الظَّهْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِلَفْظِ عَلَى مُتُونِهِمْ وَالْمَتْنُ مُكْتَنَفُ الصُّلْبِ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَصَبِ، وَوَهَمَ ابْنُ التِّينِ فَعَزَا هَذِهِ اللَّفْظَةَ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى أَكْبَادِنَا بِالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ مُوَجَّهٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَلِي الْكَبِدَ مِنَ الْجَنْبِ.

قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هُوَ قَوْلُ ابْنِ رَوَاحَةَ، يَعْنِي تَمَثَّلَ بِهِ النَّبِيُّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ لَفْظِهِ لَمْ يَكُنْ لذَلِكَ النَّبِيُّ شَاعِرًا، قَالَ: وَإِنَّمَا يُسَمَّى شَاعِرًا مَنْ قَصَدَهُ وَعَلِمَ السَّبَبَ وَالْوَتَدَ وَجَمِيعَ مَعَانِيهِ مِنَ الزِّحَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. كَذَا قَالَ، وَعِلْمُ السَّبَبِ وَالْوَتَدِ إِلَى آخِرِهِ إِنَّمَا تَلَقَّوْهُ مِنَ الْعَرُوضِ الَّتِي اخْتَرَعَ تَرْتِيبَهَا الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، وَقَدْ كَانَ شِعْرُ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُخَضْرَمِينَ وَالطَّبَقَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ مِنْ شُعَرَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُصَنِّفَهُ الْخَلِيلُ كَمَا قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: أَنَا أَقْدَمُ مِنَ الْعَرُوضِ، يَعْنِي أَنَّهُ نَظَمَ الشِّعْرَ قَبْلَ وَضْعِهِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَجَّاجِ الْكَاتِبُ:

قَدْ كَانَ شِعْرُ الْوَرَى قَدِيمًا … مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْلَقَ الْخَلِيلُ

وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ التِّينِ: إِنَّمَا قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ لَا هُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ بِلَا أَلِفٍ وَلَامٍ، فَأَوْرَدَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَلَى الْمَعْنَى، كَذَا قَالَ: وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ ظَنُّهُ أَنَّهُ يَصِيرُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ غَيْرَ مَوْزُونٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَكُونُ دَخَلَهُ الْخَزْمُ وَمِنْ صُوَرِهِ زِيَادَةُ شَيْءٍ مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ.

قَوْلُهُ: (فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ) فِي حَدِيثِ أَنَسٍ بَعْدَهُ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةْ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مَوْزُونٍ، وَلَعَلَّهُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ، وَلَعَلَّ أَصْلَهُ فَاغْفِرْ لِلَأنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةْ بِتَسْهِيلِ لَامِ الْأَنْصَارِ وَبِاللَّامِ فِي الْمُهَاجِرَةِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَبَارِكْ بَدَلَ فَاغْفِرْ.

الحديث الثالث حَدِيثُ أَنَسٍ، أَوْرَدَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فِي الثَّانِي زِيَادَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُمْ عَمِلُوا فِيهِ بِأَنْفُسِهِمْ لِاحْتِيَاجِهِمْ إِلَى ذَلِكَ لَا لِمُجَرَّدِ الرَّغْبَةِ فِي الْأَجْرِ.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ) فِيهِ بَيَانٌ لِسَبَبِ قَوْلِهِ : اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةْ وَعِنْدَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ مِنْ مُرْسَلِ طَاوُسٍ زِيَادَةٌ فِي هَذَا الرَّجَزِ:

وَالْعَنْ عَضَلًا وَالْقَارَةْ … هُمْ كَلَّفُونَا نَنْقُلُ الْحِجَارَةْ

وَالْأَوَّلُ غَيْرُ مَوْزُونٍ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ كَانَ وَالْعَنْ إِلَهِي عَضَلًا وَالْقَارَةْ، وَفِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ لِأَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ جَوَابًا