لِقَوْلِهِمْ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا إِلَخْ، وَلَا أَثَرَ لِلتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِيهِ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا قَالُوا وَيَقُولُونَ إِذَا قَالَ، وَفِيهِ أَنَّ فِي إِنْشَادِ الشِّعْرِ تَنْشِيطًا فِي الْعَمَلِ، وَبِذَلِكَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ فِي الْحَرْبِ، وَأَكْثَرُ مَا يَسْتَعْمِلُونَ فِي ذَلِكَ الرَّجَزُ.
قَوْلُهُ: (نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا) هُوَ صِفَةُ الَّذِينَ لَا صِفَةَ نَحْنُ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا) فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْإِسْلَامِ بَدَلَ الْجِهَادِ وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ.
(تَنْبِيهٌ): تَقَدَّمَ طَرِيقُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَنَدًا وَمَتْنًا فِي أَوَائِلِ الْجِهَادِ سِوَى قَوْلِهِ: قَالَ يُؤْتَوْنَ إِلَخْ وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَحَادِيثَ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا.
قَوْلُهُ: (قَالَ يُؤْتَوْنَ) قَائِلُ ذَلِكَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (بِمِلْءِ كَفِّي) رُوِيَ بِالْإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ (فَيُصْنَعُ لَهُمُ الشَّعِيرُ) أَيْ يُطْبَخُ، وَقَوْلُهُ: بِإِهَالَةٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْهَاءِ: الدُّهْنُ الَّذِي يُؤْتَدَمُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ زَيْتًا أَوْ سَمْنًا أَوْ شَحْمًا. وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ: الْإِهَالَةُ وِعَاءٌ مِنْ جِلْدٍ فِيهِ سَمْنٌ. وَقَوْلُهُ سَنِخَةٌ أَيْ تَغَيَّرَ طَعْمُهَا وَلَوْنُهَا مِنْ قِدَمِهَا، وَلِهَذَا وَصَفَهَا بِكَوْنِهَا بَشِعَةً. وَقَوْلُهُ: بَشِعَةٌ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، وَقِيلَ بِنُونٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ، وَالنَّشْغُ الْغَثَى أَيْ أَنَّهُمْ كَانَ يَحْصُلُ لَهُمْ عِنْدَ ازْدِرَادِهَا شَبِيهٌ بِالْغَثَى، وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ. وَقَوْلُهُ: فِي الْحَلْقِ هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا عَتِيقَةٌ جِدًّا حَتَّى عَفَّنَتْ وَأَنْتَنَتْ، وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَلَهَا رِيحٌ مُنْكَرٌ قَالَ ابْنُ التِّينِ: الصَّوَابُ رِيحٌ مُنْتِنَةٌ لِأَنَّ الرِّيحَ مُؤَنَّثَةٌ، قَالَ: إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمُؤَنَّثِ غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمُذَكَّرِ. وَمُنْتِنٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا.
٤١٠١ - حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرًا ﵁ فَقَالَ: إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ فَعَرَضَتْ كيدة شَدِيدَةٌ، فَجَاءُوا النَّبِيَّ ﷺ فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ فَقَالَ: أَنَا نَازِلٌ. ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ الْمِعْوَلَ فَضَرَبَ في الكدية، فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ أَوْ أَهْيَمَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ. فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ ﷺ شَيْئًا مَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَبْرٌ، فَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فقَالَتْ: عِنْدِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ، فَذَبَحَتْ الْعَنَاقَ، وَطَحَنَتْ الشَّعِيرَ، حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ بالْبُرْمَةِ. ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَالْعَجِينُ قَدْ انْكَسَرَ، وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الْأَثَافِيِّ قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ، فَقُلْتُ: طُعَيِّمٌ لِي، فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ. قَالَ: كَمْ هُوَ؟ فَذَكَرْتُ لَهُ، فقَالَ: كَثِيرٌ طَيِّبٌ. قَالَ: قُلْ لَهَا لَا تَنْزِعْ الْبُرْمَةَ وَلَا الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ، فَقَالَ: قُومُوا. فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ. قَالَتْ: هَلْ سَأَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: ادْخُلُوا وَلَا تَضَاغَطُوا.
فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ، فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ، قَالَ: كُلِي هَذَا وَأَهْدِي، فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ.
٤١٠٢ - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ