للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَبِهَذَا يَقْوَى تَفْسِيرُ الَّذِي صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ بِخَوَّاتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (إنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ) وِجَاهَ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِضَمِّهَا أَيْ مُقَابِلَ.

قَوْلُهُ: (فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ) هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ تُخَالِفُ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ عَنْ جَابِرٍ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَتُوَافِقُ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ تُخَالِفُهَا فِي كَوْنِهِ ثَبَتَ قَائِمًا حَتَّى أَتَمَّتِ الطَّائِفَةُ لِأَنْفُسِهَا رَكْعَةً أُخْرَى، وَفِي أَنَّ الْجَمِيعَ اسْتَمَرُّوا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى سَلَّمُوا بِسَلَامِ النَّبِيِّ .

قَوْلُهُ: (وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَعِنْدَ النَّسَفِيِّ وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى أَبِي نُعَيْمٍ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي الْجَزْمِ بِأَنَّ مُعَاذًا هَذَا هُوَ ابْنُ فَضَالَةَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ، وَمُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ثِقَةٌ صَاحِبُ غَرَائِبِ، وَقَدْ تَابَعَهُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ هِشَامٍ وَهُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَلِمُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، عَنْ بُنْدَارَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، وَسَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنَ الِاخْتِلَافِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ بِنَخْلٍ فَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ) أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا مُعَلَّقًا؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ رِوَايَاتِ جَابِرٍ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْغَزْوَةَ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا صَلَاةُ الْخَوْفِ هِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ، لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ سِيَاقَ رِوَايَةِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ آخَرُ فِي غَزْوَةٍ أُخْرَى، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الطَّيَالِسِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: دَعُوهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ صَلَاةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ. قَالَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَهُ، فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعَصْرَ، وَصَفَّهُمْ صَفَّيْنِ فَذَكَرَ صِفَةَ صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ إِنَّمَا هِيَ فِي غَزْوَةِ عُسْفَانَ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى مُغَايَرَةِ هَذِهِ الْقِصَّةِ لِغَزْوَةِ مُحَارِبَ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَلَفْظُهُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ قَوْمًا مِنْ جُهَيْنَةَ، فَقَاتَلُونَا قِتَالًا شَدِيدًا، فَلَمَّا أَنْ صَلَّيْنَا الظُّهْرَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ مِلْنَا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً لَأَفْظَعْنَاهُمْ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ بِذَلِكَ، قَالَ: وَقَالُوا: سَتَأْتِيهِمْ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَوْلَادِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَزَلَ بَيْنَ ضَبْحَانَ وَعُسْفَانَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ لِهَؤُلَاءِ صَلَاةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي نُزُولِ جِبْرِيلَ لِصَلَاةِ الْخَوْفِ.

وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ بِعُسْفَانَ فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقَالُوا: لَقَدْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ غَفْلَةً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ لَهُمْ صَلَاةً بَعْدَ هَذِهِ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ. فَنَزَلَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَصَلَّى بِنَا الْعَصْرَ فَفَرَّقَنَا فِرْقَتَيْنِ الْحَدِيثَ وَسِيَاقُهُ نَحْوَ رِوَايَةِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي اتِّحَادِ الْقِصَّةِ. وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ لَقِيتُهُ بِعُسْفَانَ فَوَقَفْتُ بِإِزَائِهِ وَتَعَرَّضْتُ لَهُ، فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ، فَهَمَمْنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَعْزِمْ لَنَا، فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعَصْرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ الْحَدِيثَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا قَرَّرْتُهُ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ بِعُسْفَانَ غَيْرُ صَلَاةِ الْخَوْفِ بِذَاتِ الرِّقَاعِ، وَأَنَّ جَابِرًا رَوَى الْقِصَّتَيْنِ مَعًا.

فَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ فَفِي قِصَّةِ عُسْفَانَ، وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي سَلَمَةَ، وَوَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، وَأَبِي مُوسَى الْمِصْرِيِّ عَنْهُ فَفِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَهِيَ غَزْوَةُ مُحَارَبَ وَثَعْلَبَةَ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَوَّلَ مَا صُلِّيَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ فِي عُسْفَانَ وَكَانَتْ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ وَقُرَيْظَةَ وَقَدْ صُلِّيَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَهِيَ بَعْدَ عُسْفَانَ فَتَعَيَّنَ تَأَخُّرُهَا