للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَنِ الْخَنْدَقِ وَعَنْ قُرَيْظَةَ وَعَنِ الْحُدَيْبِيَةِ أَيْضًا، فَيَقْوَى الْقَوْلُ بِأَنَّهَا بَعْدَ خَيْبَرَ، لِأَنَّ غَزْوَةَ خَيْبَرَ كَانَتْ عَقِبَ الرُّجُوعِ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَّالِيِّ: إِلى غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ آخِرُ الْغَزَوَاتِ فَهُوَ غَلَطٌ وَاضِحٌ، وَقَدْ بَالَغَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي إِنْكَارِهِ. وَقَالَ بَعْضُ مَنِ انْتَصَرَ لِلْغَزَّالِيِّ: لَعَلَّهُ أَرَادَ آخِرَ غَزْوَةٍ صُلِّيَتْ فِيهَا صَلَاةُ الْخَوْفِ، وَهَذَا انْتِصَارٌ مَرْدُودٌ أَيْضًا، لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَاةَ الْخَوْفِ، وَإِنَّمَا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرَةَ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ بِاتِّفَاقٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا اسْتِطْرَادًا لِتَكْمُلَ الْفَائِدَةُ.

قَوْلُهُ: (قَالَ مَالِكٌ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ سَمِعَ فِي كَيْفِيَّتِهَا صِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ فِي صِفَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَيْفِيَّاتٌ حَمَلَهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَحَمَلَهَا آخَرُونَ عَلَى التَّوَسُّعِ وَالتَّخْيِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ تَرْجِيحِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ وَافَقَهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَدَاوُدُ عَلَى تَرْجِيحِهَا لِسَلَامَتِهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ وَلِكَوْنِهَا أَحْوَطَ لِأَمْرِ الْحَرْبِ، مَعَ تَجْوِيزِهِمُ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَنْسُوخَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ عَدَمُ إِجَازَةِ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ رِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ هَلْ يُسَلِّمُ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ يَنْتَظِرُهَا فِي التَّشَهُّدِ لِيُسَلِّمُوا مَعَهُ؟ فَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ، وَزَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ الْقَوْلُ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَمْ تُفَرِّقِ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ حَيْثُ أَخَذُوا بِالْكَيْفِيَّةِ الَّتِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَمْ لَا، وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ فَحَمَلُوا حَدِيثَ سَهْلٍ عَلَى أَنَّ الْعَدُوَّ كَانَ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَلِذَلِكَ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ وَحْدَهَا جَمِيعَ الرَّكْعَةِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْإِمَامَ يُحْرِمُ بِالْجَمِيعِ وَيَرْكَعُ بِهِمْ، فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ صَفٌّ وَحَرَسَ صَفٌّ إِلَخْ. وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ صَفَّنَا صَفَّيْنِ وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّرْجِيحِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُعْمَلُ مِنْهَا بِمَا كَانَ أَشْبَهَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَجْتَهِدُ فِي طَلَبِ الْأَخِيرِ مِنْهَا فَإِنَّهُ النَّاسِخُ لِمَا قَبْلَهُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُؤْخَذُ بِأَصَحِّهَا نَقْلًا وَأَعْلَاهَا رُوَاةً، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُؤْخَذُ بِجَمِيعِهَا عَلَى حِسَابِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْخَوْفِ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ أُخِذَ بِأَيْسَرِهَا مُؤْنَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ اللَّيْثُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ) قُلْتُ: لَمْ يَظْهَرْ لِي مُرَادُ الْبُخَارِيِّ بِهَذِهِ الْمُتَابَعَةِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ الْمُتَابَعَةَ فِي الْمَتْنِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ غَزْوَةُ مُحَارِبَ وَثَعْلَبَةَ بِنَخْلٍ، وَهَذِهِ غَزْوَةُ أَنْمَارَ، وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ الِاتِّحَادُ؛ لِأَنَّ دِيَارَ بَنِي أَنْمَارَ تَقْرُبُ مِنْ دِيَارِ بَنِي ثَعْلَبَةَ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ أَنَّ أَنْمَارَ فِي قَبَائِلَ مِنْهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطَفَانَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُتَابَعَةَ فِي الْإِسْنَادِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الرِّوَايَتَانِ مُتَخَالِفَتَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ: الْأُولَى مُتَّصِلَةٌ بِذِكْرِ الصَّحَابِيِّ وَهَذِهِ مُرْسَلَةٌ، وَرِجَالُ الْأُولَى غَيْرُ رِجَالِ الثَّانِيَةِ، وَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ لَا بَصَرَ لَهُ بِالرِّجَالِ يَظُنُّ أَنَّ هِشَامًا الْمَذْكُورَ قَبْلُ هُوَ هِشَامٌ الْمَذْكُورُ ثَانِيًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ هِشَامًا الرَّاوِيَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ كَمَا بَيَّنْتُهُ قَبْلُ وَهُوَ بَصْرِيٌّ، وَهِشَامٌ شَيْخُ اللَّيْثِ فِيهِ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ وَهُوَ مَدَنِيٌّ، وَالدَّسْتُوَائِيُّ لَا رِوَايَةَ لَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَلَا رِوَايَةَ لِلَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْهُ.

وَقَدْ وَصَلَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ هَذَا الْمُعَلَّقَ قَالَ: قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارَ نَحْوَهُ يَعْنِي نَحْوَ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ