للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ. قُلْتُ: فَظَهَرَ لِي مِنْ هَذَا وَجْهُ الْمُتَابَعَةِ، وَهُوَ أَنَّ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ مُتَّحِدٌ مَعَ حَدِيثِ جَابِرٍ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنِ اتِّحَادِ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ وَفِي هَذِهِ أَنْ تَتَّحِدَ الْغَزْوَةُ، وَقَدْ أَفْرَدَ الْبُخَارِيُّ غَزْوَةَ بَنِي أَنْمَارَ بِالذِّكْرِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ. نَعَمْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ سَبَبَ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَدِمَ بِجَلْبٍ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ نَاسًا مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ وَمِنْ بَنِي أَنْمَارَ وَقَدْ جَمَعُوا لَكُمْ جُمُوعًا وَأَنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ عَنْهُمْ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَيُقَالُ: سَبْعُمِائَةٍ، فَعَلَى هَذَا فَغَزْوَةُ بَنِي أَنْمَارَ مُتَّحِدَةٌ مَعَ غَزْوَةِ بَنِي مُحَارِبَ وَثَعْلَبَةَ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ هَذِهِ الْمُتَابَعَةِ بَعْدَ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ، وَيَكُونُ تَقْدِيمُهُ مِنْ بَعْضِ النَّقَلَةِ عَنِ الْبُخَارِيِّ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْتُهُ عَنْ تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّهُ بَيِّنٌ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يَحْيَى) الْأَوَّلُ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَشَيْخُهُ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَيِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَصَالِحُ بْنُ خَوَّاتٍ تَقَدَّمَ التَّعْرِيفُ بِهِ، فَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ الْمَدَنِيِّينَ فِي نَسَقٍ: يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ فَمَنْ فَوْقَهُ وَسَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ: عَامِرٌ.

وَقِيلَ: اسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَبُو حَثْمَةَ جَدُّهُ وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ سَاعِدَةَ، وَهُوَ أَنْصَارِيٌّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ إِلَّا مَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ وَلَدِ سَهْلٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ إِلَّا بَدْرًا وَكَانَ الدَّلِيلَ لَيْلَةَ أُحُدٍ.

وَقَدْ تَعَقَّبَ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَقَالُوا: إِنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لِأَبِيهِ، وَأَمَّا هُوَ فَمَاتَ النَّبِيُّ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِي سِنِينَ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ السَّكَنِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ رِوَايَتُهُ لِقِصَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ مُرْسَلَةً وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ مِمَّنْ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَاةَ الْخَوْفِ غَيْرُهُ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَبُوهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (يَقُومُ الْإِمَامُ) هَذَا ذَكَرَهُ مَوْقُوفًا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ حَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَأَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا.

قَوْلُهُ: (عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنِ النَّبِيِّ مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ الْمَتْنِ الْمَوْقُوفِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى، عَنْ يَحْيَى، وَقَدْ أَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ فَصَفَّهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَهُوَ مِمَّا يُقَوِّي مَا قَدَّمْتُهُ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ لَمْ يَشْهَدْ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ مِمَّنْ شَهِدَ أَبُوهُ لَا سَهْلٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ قِبَلَ نَجْدٍ فَوَازَيْنَا) بِالزَّايِ أَيْ قَاتَلْنَا (الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنَّ فِي رِوَايَةَ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَصَفَفْنَاهُمْ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ، وَهَكَذَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ هُنَا مُقْتَصِرًا مِنْهَا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ، وَعَقَّبَهَا بِطَرِيقِ مَعْمَرٍ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِصَدْرِ الْحَدِيثِ، بَلْ أَوَّلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ الْحَدِيثَ، فَأَمَّا رِوَايَةُ شُعَيْبٍ فَتَقَدَّمَتْ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ تَامَّةً، وَأَمَّا رِوَايَةُ مَعْمَرٍ فَأَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ كَذَلِكَ، وَوَقَعَ فِي آخِرِهَا ثُمَّ قَامَ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ، وَقَامَ هَؤُلَاءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ وَلَفْظُ الْقَضَاءِ فِيهَا عَلَى مَعْنَى الْأَدَاءِ لَا عَلَى مَعْنَى الْقَضَاءِ الِاصْطِلَاحِيِّ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهِيَ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ نَحْوَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ.