الْحَدِيثَ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّهُ خَطَأٌ، وَلَعَلَّهَا كَانَتْ إِلَى حُنَيْنٍ فَتَصَحَّفَتْ، وَتَوْجِيهُهُ بِأَنَّ غَزْوَةَ حُنَيْنٍ كَانَتْ نَاشِئَةً عَنْ غَزْوَةِ الْفَتْحِ، وَغَزْوَةُ الْفَتْحِ خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فِيهَا فِي رَمَضَانَ جَزْمًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقَةِ أَنَّهَا كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ، وَهُوَ وَهَمٌ، وَلَعَلَّهُ انْتِقَالٌ مِنَ الْخَنْدَقِ إِلَى خَيْبَرَ.
وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنَّهُ ﷺ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ نُمَيْلَةَ - بِنُونٍ مُصَغَّرٌ - ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيَّ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ، وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سِبَاعُ بْنُ عُرْفُطَةَ وَهُوَ أَصَحُّ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ ثَلَاثِينَ حَدِيثًا.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ - وَهُوَ الْأَنْصَارِيُّ الْحَارِثِيُّ - أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ عَامَ خَيْبَرَ، الْحَدِيثَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الطَّهَارَةِ. وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الطَّرِيقَ الَّتِي خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى خَيْبَرَ كَانَتْ عَلَى طَرِيقِ الصَّهْبَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا.
الحديث الثاني حديث سلمة بن الأكوع:
قَوْلُهُ: (خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى خَيْبَرَ، فَسِرْنَا لَيْلًا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرٍ: يَا عَامِرُ، أَلَا تُسْمِعُنَا) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ صَرِيحًا، وَعِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ نَصْرِ بْنِ دَهْرٍ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ فِي مَسِيرِهِ إِلَى خَيْبَرَ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ - وَهُوَ عَمُّ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَاسْمُ الْأَكْوَعِ سِنَانٌ: انْزِلْ يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ فَاحْدُ لَنَا مِنْ هُنَيَّاتِكَ فَفِي هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مِنْ هُنَيْهَاتِكَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِحَذْفِ الْهَاءِ الثَّانِيَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَالْهُنَيْهَاتُ جَمْعُ هُنَيْهَةٍ، وَهِيَ تَصْغِيرُ هَنَةٍ؛ كَمَا قَال فِي تَصْغِيرِ سَنَةٍ: سُنَيْهَةٌ. وَوَقَعَ فِي الدَّعَوَاتِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ: لَوْ أَسْمَعْتَنَا مِنْ هَنَاتِكَ بِغَيْرِ تَصْغِيرٍ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا) قِيلَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجَزَ مِنْ أَقْسَامِ الشِّعْرِ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَالَهُ عَامِرٌ حِينَئِذٍ مِنَ الرَّجَزِ. وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا)
فِي هَذَا الْقَسَمِ زِحَافُ الْخَزْمِ بِمُعْجَمَتَيْنِ؛ وَهُوَ زِيَادَةُ سَبَبٍ خَفِيفٍ فِي أَوَّلِهِ، وَأَكْثَرُهَا أَرْبَعَةُ أَحْرُفٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وأَنَّهُ مِنْ شِعْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَعَامِرٌ تَوَارَدَا عَلَى مَا تَوَارَدَا مِنْهُ، بِدَلِيلِ مَا وَقَعَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِمَّا لَيْسَ عِنْدَ الْآخَرِ، أَوِ اسْتَعَانَ عَامِرٌ بِبَعْضِ مَا سَبَقَهُ إِلَيْهِ ابْنُ رَوَاحَةَ.
قَوْلُهُ: (فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا اتَّقَيْنَا) أَمَّا قَوْلُهُ فِدَاءً فَهُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبِالْمَدِّ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ فَتْحَ أَوَّلِهِ مَعَ الْقَصْرِ وَزَعَمَ أَنَّهُ هُنَا بِالْكَسْرِ مَعَ الْقَصْرِ لِضَرُورَةِ الْوَزْنِ، وَلَمْ يُصِبْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَتَّزِنُ إِلَّا بِالْمَدِّ. وَقَدِ اسْتُشْكِلَ هَذَا الْكَلَامُ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي حَقِّ اللَّهِ، إِذْ مَعْنَى فِدَاءً لَكَ: نَفْدِيكَ بِأَنْفُسِنَا، وَحُذِفَ مُتَعَلِّقِ الْفِدَاءِ لِلشُّهْرَةِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْفِدَاءُ لِمَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْفَنَاءُ. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهَا كَلِمَةٌ لَا يُرَادُ بِهَا ظَاهِرُهَا، بَلِ الْمُرَادُ بِهَا الْمَحَبَّةُ وَالتَّعْظِيمُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ. وَقِيلَ: الْمُخَاطَبُ بِهَذَا الشِّعْرِ النَّبِيُّ ﷺ، وَالْمَعْنَى: لَا تُؤَاخِذْنَا بِتَقْصِيرِنَا فِي حَقِّكَ وَنَصْرِكَ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الدُّعَاءَ، وَإِنَّمَا افْتَتَحَ بِهَا الْكَلَامَ، وَالْمُخَاطَبُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: لَوْلَا أَنْتَ النَّبِيُّ ﷺ. . . إِلَخْ، وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ:
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا … وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
فَإِنَّهُ دَعَا اللَّهَ تَعَالَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: فَاسْأَلْ رَبَّكَ أَنْ يُنْزِلَ وَيُثَبِّتَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: مَا اتَّقَيْنَا فَبِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا قَافٌ لِلْأَكْثَرِ، وَمَعْنَاهُ مَا تَرَكْنَا مِنَ الْأَوَامِرِ، وَمَا ظَرْفِيَّةٌ. وَلِلْأَصِيلِيِّ، وَالنَّسَفِيِّ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ؛ أَيْ مَا خَلَّفْنَا وَرَاءَنَا مِمَّا اكْتَسَبْنَا مِنَ الْآثَامِ، أَوْ مَا أَبْقَيْنَاهُ وَرَاءَنَا مِنَ الذُّنُوبِ فَلَمْ نَتُبْ مِنْهُ. وَلَلْقَابِسِيِّ: مَا لَقِينَا بِاللَّامِ وَكَسْرِ الْقَافِ، وَالْمَعْنَى: مَا وَجَدْنَا مِنَ الْمَنَاهِي، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ