كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ مَا اقْتَفَيْنَا بِقَافٍ سَاكِنَةٍ وَمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ؛ أَيْ تَبِعْنَا مِنَ الْخَطَايَا مِنْ قَفَوْتُ الْأَثَرَ إِذَا اتَّبَعْتُهُ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ، عَنْ قُتَيْبَةَ وَهِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الرَّجَزِ.
قَوْلُهُ: (وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا) فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ: وَأَلْقِ السَّكِينَةَ عَلَيْنَا بِحَذْفِ النُّونِ وَبِزِيَادَةِ أَلِفٍ وَلَامٍ فِي السَّكِينَةِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، وَلَيْسَ بِمَوْزُونٍ.
قَوْلُهُ: (إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا) بِمُثَنَّاةٍ؛ أَيْ جِئْنَا إِذَا دُعِينَا إِلَى الْقِتَالِ أَوْ إِلَى الْحَقِّ، وَرُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ، كَذَا رَأَيْتُ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ، فَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً فَالْمَعْنَى: إِذَا دُعِينَا إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ امْتَنَعْنَا.
قَوْلُهُ: (وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا)؛
أَيْ قَصَدُونَا بِالدُّعَاءِ بِالصَّوْتِ الْعَالِي وَاسْتَغَاثُوا عَلَيْنَا، تَقُولُ: عَوَّلْتُ عَلَى فُلَانٍ وَعَوَّلْتُ بِفُلَانٍ بِمَعْنَى اسْتَغَثْتُ بِهِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمَعْنَى أَجَلَبُوا عَلَيْنَا بِالصَّوْتِ، وَهُوَ مِنَ الْعَوِيلِ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّ عَوَّلُوا بِالتَّثْقِيلِ مِنَ التَّعْوِيلِ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الْعَوِيلِ لَكَانَ أَعْوَلُوا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي هَذَا الرَّجَزِ مِنَ الزِّيَادَةِ:
إِنَّ الَّذِينَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا
إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ مَا اسْتَغْنَيْنَا
وَهَذَا الْقِسْمُ الْأَخِيرُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟) فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: فَجَعَلَ عَامِرٌ يَرْتَجِزُ وَيَسُوقُ الرِّكَابَ، وَهَذِهِ كَانَتْ عَادَتَهُمْ إِذَا أَرَادُوا تَنْشِيطَ الْإِبِلِ فِي السَّيْرِ يَنْزِلُ بَعْضُهُمْ فَيَسُوقُهَا وَيَحْدُو فِي تِلْكَ الْحَالِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: يَرْحَمُهُ اللَّهُ) فِي رِوَايَةِ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ: قَالَ: غَفَرَ لَكَ رَبُّكَ، قَالَ: وَمَا اسْتَغْفَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِإِنْسَانٍ يَخُصُّهُ إِلَّا اسْتُشْهِدَ، وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ يَظْهَرُ السِّرُّ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ!.
قَوْلُهُ: (قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِهِ!) اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ عُمَرُ، سَمَّاهُ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، وَلَفْظُهُ: فَنَادَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوْلَا أَمْتَعْتَنَا بِعَامِرٍ!، وَفِي حَدِيثِ نَصْرِ بْنِ دَهْرٍ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَقَالَ عُمَرُ: وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: لَوْلَا، أَيْ: هَلَّا، وَأَمْتَعْتَنَا، أَيْ: مَتَّعْتَنَا؛ أَيْ أَبْقَيْتَهُ لَنَا لِنَتَمَتَّعَ بِهِ، أَيْ بِشَجَاعَتِهِ، وَالتَّمَتُّعُ التَّرَفُّهُ إِلَى مُدَّةٍ، وَمِنْهُ: أَمْتَعَنِي اللَّهُ بِبَقَائِكَ.
قَوْلُهُ: (فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ)؛ أَيْ أَهْلَ خَيْبَرَ.
قَوْلُهُ: (فَحَاصَرْنَاهُمْ) ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ حَاصَرُوهُ فَفُتِحَ حِصْنُ نَاعِمٍ، ثُمَّ انْتَقَلُوا إِلَى غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ) بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ؛ أَيْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ، وَسَيَأْتِي شَرْحُ قِصَّةِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ) فِي رِوَايَةِ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ خَرَجَ مَلِكُهُمْ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ يَقُولُ:
قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
قَالَ: فَبَرَزَ إِلَيْهِ عَامِرٌ فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرُ … شَاكِّي السِّلَاحَ بَطَلٌ مُغَامِرُ
فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِرٍ، فَصَارَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ؛ أَيْ يَضْرِبُهُ مِنْ أَسْفَلَ، فَرَجَعَ سَيْفُهُ - أَيْ عَامِرٌ - عَلَى نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ)؛ أَيْ طَرَفُهُ الْأَعْلَى، وَقِيلَ: حَدُّهُ.
قَوْلُهُ: (فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ)؛ أَيْ طَرَفَ رُكْبَتِهِ الْأَعْلَى فَمَاتَ مِنْهُ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ: فَأُصِيبَ عَامِرٌ بِسَيْفِ نَفْسِهِ فَمَاتَ، وَفِي رِوَايَةِ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَكَلَمَهُ كَلْمًا شَدِيدًا فَمَاتَ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا قَفَلُوا مِنْ خَيْبَرَ)؛ أَيْ رَجَعُوا.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ آخِذٌ يَدَيَّ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: بِيَدَيَّ، وَفِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ: