فَسَكَتَ. ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: أُفْنِيَتْ الْحُمُرُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي النَّاسِ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ. فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ، وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسٍ) فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ حُمَيْدٍ: سَمِعْتُ أَنَسًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ.
قَوْلُهُ: (أَتَى خَيْبَرَ لَيْلًا)؛ أَيْ قَرُبَ مِنْهَا، وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ نَزَلَ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ: الرَّجِيعُ، بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَطَفَانَ؛ لِئَلَّا يَمُدُّوهُمْ، وَكَانُوا حُلَفَاءَهُمْ. قَالَ: فَبَلَغَنِي أَنَّ غَطَفَانَ تَجَهَّزُوا وَقَصَدُوا خَيْبَرَ، فَسَمِعُوا حِسًّا خَلْفَهُمْ فَظَنُّوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ خَلَفُوهُمْ فِي ذَرَارِيِّهِمْ، فَرَجَعُوا فَأَقَامُوا وَخَذَلُوا أَهْلَ خَيْبَرَ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يُغْرِ بِهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ مِنَ الْإِغَارَةِ، وَلِأَبِي ذَرٍّ، عَنِ الْمُسْتَمْلِي: لَمْ يَقْرَبْهُمْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ بِلَفْظِ: لَا يُغِيرُ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْجُمْهُورِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْأَذَانِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُمَيْدٍ بِلَفْظِ: كَانَ إِذَا غَزَا لَمْ يَغْزُ بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِلَّا أَغَارَ، قَالَ: فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ. وَحَكَى الْوَاقِدِيُّ أَنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ سَمِعُوا بِقَصْدِهِ لَهُمْ، فَكَانُوا يَخْرُجُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُتَسَلِّحِينَ مُسْتَعِدِّينَ، فَلَا يَرَوْنَ أَحَدًا. حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي قَدِمَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ نَامُوا فَلَمْ تَتَحَرَّكْ لَهُمْ دَابَّةٌ وَلَمْ يَصِحْ لَهُمْ دِيكٌ، وَخَرَجُوا بِالْمَسَاحِي طَالِبِينَ مَزَارِعَهُمْ فَوَجَدُوا الْمُسْلِمِينَ.
قَوْلُهُ: (خَرَجَتْ يَهُودُ) زَادَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: إِلَى زُرُوعِهِمْ.
قَوْلُهُ: (بِمَسَاحِيهِمْ) بِمُهْمَلَتَيْنِ جَمْعُ مِسْحَاةٍ، وَهِيَ مِنْ آلَاتِ الْحَرْثِ (وَمَكَاتِلِهِمْ) جَمْعُ مِكْتَلٍ، وَهُوَ الْقُفَّةُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي يُحَوَّلُ فِيهَا التُّرَابُ وَغَيْرُهُ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ: حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ السَّحَرِ وَذَهَبَ ذُو الزَّرْعِ إِلَى زَرْعِهِ وَذُو الضَّرْعِ إِلَى ضَرْعِهِ أَغَارَ عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ: (مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ) تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ: خَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ، قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَنَسٍ: وَالْخَمِيسُ يَعْنِي الْجَيْشَ، وَعُرِفَ الْمُرَادُ بِبَعْضِ أَصْحَابِهِ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ، وَتَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ، وَفِيهِ: يَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ: وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ. وَعُرِفَ مِنْ سِيَاقِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ اللَّفْظَ هُنَاكَ لِثَابِتٍ، وَقَدْ بَيَّنْتُ مَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ الْإِدْرَاجِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَزَادَ فِي الْجِهَادِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَيُّوبَ: فَلَجَئُوا إِلَى الْحِصْنِ؛ أَيْ تَحَصَّنُوا بِهِ.
قَوْلُهُ: (خَرِبَتْ خَيْبَرُ) زَادَ فِي الْجِهَادِ: فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، وَزِيَادَةُ التَّكْبِيرِ فِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ التَّفَاؤُلُ؛ لِأَنَّهُ ﷺ لَمَّا رَأَى آلَاتِ الْهَدْمِ - مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْمِسْحَاةِ مِنْ سَحَوْتُ إِذَا قَشَّرْتُ - أُخِذَ مِنْهُ أَنَّ مَدِينَتَهُمْ سَتَخْرَبُ، انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ: خَرِبَتْ خَيْبَرُ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ.
وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ: صَبَّحْنَا خَيْبَرَ بُكْرَةً لَا يُغَادرُ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمْ قَدِمُوهَا لَيْلًا، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ لَمَّا قَدِمُوهَا وَنَامُوا دُونَهَا رَكِبُوا إِلَيْهَا بُكْرَةً فَصَبَّحُوهَا بِالْقِتَالِ وَالْإِغَارَةِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ وَاضِحًا، زَادَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قِصَّةَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهَا مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ إِنْ شَاءَ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، وَلَيْسَ هُوَ وَالِدَ الرَّاوِي عِنْه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، فَإِنَّ الرَّاوِيَ عَنْهُ عَبْدَرِيٌّ حَجَيٌّ لَا ثَقَفِيٌّ.
قَوْلُهُ: (يَنْهَيَانِكُمْ) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الْآتِيَةِ: يَنْهَاكُمْ بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بِالتَّثْنِيَةِ،