الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَسُبِيَ مَعَهَا بِنْتُ عَمِّهَا - وَعِنْدَ غَيْرِهِ بِنْتُ عَمِّ زَوْجِهَا - فَلَمَّا اسْتَرْجَعَ النَّبِيُّ ﷺ صَفِيَّةَ مِنْ دِحْيَةَ أَعْطَاهُ بِنْتَ عَمِّهَا.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ فَإِنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ دِحْيَةَ قَبْلَ الْقَسْمِ، وَالَّذِي عَوَّضَهُ عَنْهَا لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْبَيْعِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ النَّفْلِ.
قُلْتُ: وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ صَفِيَّةَ وَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ، وَعِنْدَهُ أَيْضًا فِيهِ: فَاشْتَرَاهَا مِنْ دِحْيَةَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ، فَالْأَوْلَى فِي طَرِيقِ الْجَمْعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِسَهْمِهِ هُنَا نَصِيبُهُ الَّذِي اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ أَنْ يُعْطِيَهُ جَارِيَةً فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَارِيَةً، فَأَخَذَ صَفِيَّةَ. فَلَمَّا قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّهَا بِنْتُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّنْ تُوهَبُ لِدِحْيَةَ لِكَثْرَةِ مَنْ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ مِثْلَ دِحْيَةَ وَفَوْقَهُ، وَقِلَّةِ مَنْ كَانَ فِي السَّبْيِ مِثْلَ صَفِيَّةَ فِي نَفَاسَتِهَا، فَلَوْ خَصَّهُ بِهَا لَأَمْكَنَ تَغَيُّرُ خَاطِرِ بَعْضِهِمْ، فَكَانَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ ارْتِجَاعُهَا مِنْهُ وَاخْتِصَاصُ النَّبِيِّ ﷺ بِهَا، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِضَا الْجَمِيعِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ مِنْ شَيْءٍ. وَأَمَّا إِطْلَاقُ الشِّرَاءِ عَلَى الْعِوَضِ فَعَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَلَعَلَّهُ عَوَّضَهُ عَنْهَا بِنْتَ عَمِّهَا أَوْ بِنْتَ عَمِّ زَوْجِهَا فَلَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ فَأَعْطَاهُ مِنْ جُمْلَةِ السَّبْيِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ.
وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ - وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ: صَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ، فَجَعَلُوا يَمْدَحُونَهَا، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَعْطَى بِهَا دِحْيَةَ مَا رَضِيَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ، وَيَأْتِي تَمَامُ قِصَّتِهَا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي عَشَرَ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٤٢٠٥ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ﵁ قَالَ "لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْبَرَ أَوْ قَالَ لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقال رسول الله ﷺ: ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ فَقَالَ لِي يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ"
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ:
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ) هُوَ ابْنُ أبي زِيَادٍ، وَعَاصِمٌ هُوَ الْأَحْوَلُ، وَأَبُو عُثْمَانَ هُوَ النَّهْدِيُّ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ إِلَى أَبِي مُوسَى بَصْرِيُّونَ.
قَوْلُهُ: (لَمَّا غَزَا النَّبِيُّ ﷺ خَيْبَرَ أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ) هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي.
قَوْلُهُ: (أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِ أَبِي مُوسَى - فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) هَذَا السِّيَاقُ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ وَهُمْ ذَاهِبُونَ إِلَى خَيْبَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ حَالَ رُجُوعِهِمْ، لِأَنَّ أَبَا مُوسَى إِنَّمَا قَدِمَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ مَعَ جَعْفَرٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ مِنْ حَدِيثِهِ وَاضِحًا، وَعَلَى هَذَا فَفِي السِّيَاقِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: لَمَّا تَوَجَّهَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى خَيْبَرَ فَحَاصَرَهَا فَفَتَحَهَا فَفَزِعَ فَرَجَعَ أَشْرَفَ النَّاسُ. . . إِلَخْ، وَسَيَأْتِي شَرْحُ الْمَتْنِ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute