الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ، وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ.
قَوْلُهُ: (الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ الْآتِيَةِ بَعْدَ قَلِيلٍ: فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ كَوْنِهَا خَيْبَرَ، لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ سَهْلٍ مُتَّحِدَةٌ مَعَ الْقِصَّةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِخَيْبَرَ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ فِي سِيَاقِ سَهْلٍ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ اتَّكَأَ عَلَى حَدِّ سَيْفِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ ظَهْرِهِ، وَفِي سِيَاقِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ اسْتَخْرَجَ أَسْهُمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَنَحَرَ بِهَا نَفْسَهُ.
وَأَيْضًا فَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُمْ لَمَّا أَخْبَرُهُ بِقِصَّتِهِ: إِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْحَدِيثَ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ لَمَّا أَخْبَرُهُ بِقِصَّتِهِ: قُمْ يَا بِلَالُ فَأَذِّنْ: إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلِهَذَا جَنَحَ ابْنُ التِّينِ إِلَى التَّعَدُّدِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ فِي الْمُغَايِرَةِ الْأَخِيرَةِ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَحَرَ نَفْسَهُ بِأَسْهُمِهِ فَلَمْ تَزْهَقْ رُوحُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْقَتْلِ فَاتَّكَأَ حِينَئِذٍ عَلَى سَيْفِهِ اسْتِعْجَالًا لِلْمَوْتِ، لَكِنْ جَزَمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مُشْكِلِهِ بِأَنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي حَكَاهَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَقَعَتْ بِأُحُدٍ، قَالَ: وَاسْمُ الرَّجُلِ قُزْمَانُ الظُّفُرِيُّ، وَكَانَ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ فَعَيَّرَهُ النِّسَاءُ، فَخَرَجَ حَتَّى صَارَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ، ثُمَّ صَارَ إِلَى السَّيْفِ فَفَعَلَ الْعَجَائِبَ، فَلَمَّا انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ وَجَعَلَ يَقُولُ: الْمَوْتُ أَحْسَنُ مِنَ الْفِرَارِ. فَمَرَّ بِهِ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ فَقَالَ لَهُ: هَنِيئًا لَكَ بالشَّهَادَةُ. قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي مَا قَاتَلْتُ عَلَى دِينٍ، وَإِنَّمَا قَاتَلْتُ عَلَى حَسَبِ قَوْمِي. ثُمَّ أَقْلَقَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَقَتَلَ نَفْسَهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ أَخَذَهُ مِنْ مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ وَهُوَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إِذَا انْفَرَدَ فَكَيْفَ إِذَا خَالَفَ! نَعَمْ، أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاضِي، عَنْ أَبِي حَازِمٍ حَدِيثَ الْبَابِ، وَأَوَّلُهُ أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا أَبْلَى فُلَانٌ، لَقَدْ فَرَّ النَّاسُ وَمَا فَرَّ، وَمَا تَرَكَ لِلْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً. . . الْحَدِيثَ بِطُولِهِ عَلَى نَحْوِ مَا فِي الصَّحِيحِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَسْمِيَتُهُ، وَسَعِيدٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَمَا أَظُنُّ رِوَايَتَهُ خَفِيَتْ عَلَى الْبُخَارِيِّ، وَأَظُنُّهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا غَيْرُ أُحُدٍ؛ لِأَنَّ سَهْلًا مَا كَانَ حِينَئِذٍ مِمَّنْ يُطْلَقُ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ لِصِغَرِهِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ مَوْلِدَهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِخَمْسِ سِنِينَ فَيَكُونُ فِي أُحُدٍ ابْنَ عَشَرَةٍ أَوْ إِحْدَى عَشَرَةٍ، عَلَى أَنَّهُ قد حَفِظَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ أُحُدٍ مِثْلَ غَسْلِ فَاطِمَةَ جِرَاحَةَ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: غَزَوْنَا إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا سَيَأْتِي لِأَبِي هُرَيْرَةَ، لَكِنْ يَدْفَعُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى عَسْكَرِهِ)؛ أَيْ رَجَعَ بَعْدَ فَرَاغِ الْقِتَالِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.
قَوْلُهُ: (وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجُلٌ) وَقَعَ فِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ اسْمَهُ قُزْمَانُ - بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الزَّايِ - الظُّفُرَيُّ - بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ - نِسْبَةً إِلَى بَنِي ظُفُرٍ بَطْنٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا الْغَيْدَاقِ - بِمُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَآخِرُهُ قَافٌ - وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً) الشَّاذَّةُ بِتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ مَا انْفَرَدَ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَبِالْفَاءِ مِثْلُهُ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِهِمْ، ثُمَّ هُمَا صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ نَسَمَةً، وَالْهَاءُ فِيهِمَا لِلْمُبَالَغَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْقَى شَيْئًا إِلَّا قَتَلَهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالشَّاذِّ وَالْفَاذِّ مَا كَبُرَ وَصَغُرَ، وَقِيلَ: الشَّاذُّ الْخَارِجُ، وَالْفَاذُّ الْمُنْفَرِدُ، وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى، وَقِيلَ: الثَّانِي إِتْبَاعٌ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ)؛ أَيْ قَائِلٌ، وَتَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ بِلَفْظِ فَقَالُوا، وَيَأْتِي بَعْدَ قَلِيلٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى بِلَفْظِ: فَقِيلَ، وَوَقَعَ هُنَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ: فَقُلْتُ، فَإِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً عُرِفَ اسْمُ قَائِلِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مَا أَجْزَأَ) بِالْهَمْزَةِ؛ أَيْ مَا أَغْنَى.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ الْمَذْكُورَةِ: فَقَالُوا: أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ!. وَفِي حَدِيثِ أَكْثَمَ بْنِ أَبِي الْجَوْنِ الْخُزَاعِيِّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فُلَانٌ