وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: بَلْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا. فَجَاءَ رَجُلٌ - حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ.
[الحديث ٤٢٣٤ - طرفه في: ٦٧٠٧]
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الْجُعْفِيُّ. وَمُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو هُوَ الْأَزْدِيُّ، وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَرُبَّمَا رَوَى عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ كَمَا هُنَا.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ) هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ الْفَزَارِيُّ، وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ حَدِيثِ مَالِكٍ، لِلنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ طَرِيقَ الْمُسَيِّبِ بْنِ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ مَالِكٍ) نَزَلَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَرَجَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ، قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ وَحْدَهُ عَنْ مَالِكٍ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْبَاقِينَ: عَنْ ثَوْرٍ، وَلِلْبُخَارِيِّ حِرْصٌ شَدِيدٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالطُّرُقِ الْمُصَرِّحَةِ بِالتَّحْدِيثِ، انْتَهَى. وَثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ هُوَ الدِّيلِيُّ، مَدَّنِيٌّ مَشْهُورٌ. وَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ هَذِهِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَعَنْ بَاقِي الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ جَمِيعُ الْإِسْنَادِ، وَسَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ يُكْنَى أَبَا الْغَيْثِ وَهُوَ بِهَا أَشْهَرُ، وَقَدْ سُمِّيَ هُنَا. فَلَا الْتِفَاتَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى اسْمِهِ صَحِيحًا. وَهُوَ مَدَنِيٌّ لَا يُعْرَفُ اسْمُ أَبِيهِ، وَابْنُ مُطِيعٍ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَلَيْسَتْ لِسَالِمٍ فِي الصَّحِيحِ رِوَايَةٌ عَنْ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَهُ عَنْهُ تِسْعَةُ أَحَادِيثَ تَقَدَّمَ مِنْهَا فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَفِي الْوَصَايَا وَفِي الْمَنَاقِبِ.
قَوْلُهُ: (افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ) فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ فِي الْمُوَطَّأِ حُنَيْنٍ بَدَلَ خَيْبَرَ، وَخَالَفَهُ مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى فَقَالَ: خَيْبَرَ مِثْلُ الْجَمَاعَةِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورَةِ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى خَيْبَرَ وَهِيَ رِوَايَةُ رواة الْمُوَطَّأِ أَعْنِي قَوْلَهُ: خَرَجْنَا، وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ ثَوْرٍ، فَحَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ أَنَّهُ قَالَ: وَهَمَ ثَوْرٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَخْرُجْ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى خَيْبَرَ وَإِنَّمَا قَدِمَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ، وَقَدِمَ عَلَيْهِمْ خَيْبَرَ بَعْدَ أَنْ فُتِحَتْ. قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ بِخَيْبَرَ بَعْدَ مَا افْتَتَحُوهَا قَالَ: وَلَكِنْ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَضَرَ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ، فَالْغَرَضُ مِنَ الْحَدِيثِ قِصَّةُ مِدْعَمٍ فِي غُلُولِ الشَّمْلَةِ.
قُلْتُ: وَكَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ صَاحِبَ الْمَغَازِي اسْتَشْعَرَ بِوَهْمِ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَرَوَى الْحَدِيثَ عَنْهُ بِدُونِهَا، أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِهِ بِلَفْظِ: انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى وَادِي الْقُرَى، وَرِوَايَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ الَّتِي فِي الْبَابِ تسلم مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: افْتَتَحْنَا أَيِ الْمُسْلِمُونَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ قَرِيبًا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute