فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي.
قَوْلُهُ: (وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ) بِنَصْبِ أَهْلٍ الِاخْتِصَاصِ أَوْ عَلَى النِّدَاءِ بِحَذْفِ أَدَاتِهِ، وَيَجُوزُ الْجَرُّ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الضَّمِيرِ.
قَوْلُهُ: (هِجْرَتَانِ) زَادَ أَبُو يَعْلَى: هَاجَرْتُمْ مَرَّتَيْنِ؛ هَاجَرْتُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ وَهَاجَرْتُمْ إِلَيَّ، وَلِابْنِ سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ رِجَالًا يَفْخَرُونَ عَلَيْنَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّا لَسْنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ. فَقَالَ: بَلْ لَكُمْ هِجْرَتَانِ؛ هَاجَرْتُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، ثُمَّ هَاجَرْتُمْ بَعْدَ ذَلِكَ. وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الشَّعْبِيِّ نَحْوَهُ، وَقَالَ فِيهِ: كَذَبَ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ قَالَ: يَقُولُ: لِلنَّاسِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَظَاهِرُهُ تَفْضِيلُهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ مِنَ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَهَذَا الْقَدْرُ الْمَرْفُوعُ مِنَ الْحَدِيثِ ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهِجْرَةِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى لَا ذِكْرَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فِيهِ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى.
قَوْلُهُ: (قَالَتْ) يَعْنِي أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى عَنْهَا فَيَكُونَ مِنْ رِوَايَةِ صَحَابِيٍّ عَنْ مِثْلِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْهَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا: قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ.
قَوْلُهُ: (يَأْتُونَنِي) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: يَأْتُونَ. وَقَوْلُهُ: أَرْسَالًا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ؛ أَيْ أَفْوَاجًا، أَيْ يَجِيئُونَ إِلَيْهَا نَاسًا بَعْدَ نَاسٍ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى: وَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى أنه لِيَسْتَعِيدُ مِنِّي هَذَا الْحَدِيثَ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو بُرْدَةَ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ أَفْرَدَ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ الَّذِي قَبْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي.
قَوْلُهُ: (إِنِّي لِأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ) الرُّفْقَةُ الْجَمَاعَةُ الْمُتَرَافِقُونَ، وَالرَّاءُ مُثَلَّثَةٌ وَالْأَشْهَرُ ضَمُّهَا.
قَوْلُهُ: (حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ) بِالدَّالِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لِجَمِيعِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ بِالرَّاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَصَوَّبَهَا الدِّمْيَاطِيُّ فِي الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ بِالدَّالِ وَالْمُعْجَمَةِ، وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ فَلَا مَعْنَى لِلتَّغْيِيرِ، وَقَدْ نَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ اخْتِيَارَ الرِّوَايَةِ الَّتِي بِالرَّاءِ وَالْمُهْمَلَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى صَحِيحَةٌ أَوْ أَصَحُّ، وَالْمُرَادُ: يَدْخُلُونَ مَنَازِلَهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ إِلَى شُغْلٍ مَا ثُمَّ رَجَعُوا.
قَوْلُهُ: (بِالْقُرْآنِ) يَتَعَلَّقُ بِأَصْوَاتٍ، وَفِيهِ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ مُسْتَحْسَنٌ لَكِنْ مَحَلُّهُ إِذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا وَأَمِنَ مِنَ الرِّيَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ) قَالَ عِيَاضٌ: قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيُّ: هُوَ صِفَةٌ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ: هُوَ اسْمُ عَلَمٍ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ، وَاسْتَدْرَكَهُ عَلَى صَاحِبِ الِاسْتِيعَابِ.
قَوْلُهُ: (إِذَا لَقِيَ الْخَيْلَ - أَوْ قَالَ الْعَدُوَّ) هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي.
قَوْلُهُ: (قَالَ لَهُمَ: إِنَّ أَصْحَابِيَ يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ)؛ أَيْ تَنْتَظِرُوهُمْ، مِنَ الِانْتِظَارِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لِفَرْطِ شَجَاعَتِهِ كَانَ لَا يَفِرُّ مِنَ الْعَدُوِّ بَلْ يُوَاجِهُهُمْ وَيَقُولُ لَهُمْ إِذَا أَرَادُوا الِانْصِرَافَ مَثَلًا: انْتَظِرُوا الْفُرْسَانَ حَتَّى يَأْتُوكُمْ؛ لِيُثَبِّتَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشِّقِّ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ: الْعَدُوَّ، وَأَمَّا عَلَى الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِذَا لَقِيَ الْخَيْلَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا خَيْلَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ أَصْحَابَهُ كَانُوا رَجَّالَةً فَكَانَ هُوَ يَأْمُرُ الْفُرْسَانَ أَنْ يَنْتَظِرُوهُمْ لِيَسِيرُوا إِلَى الْعَدُوِّ جَمِيعًا، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ أَصْحَابَهُ يُحِبُّونَ الْقِتَالَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يُبَالُونَ بِمَا يُصِيبُهُمْ.
٤٢٣٣ - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ أَنْ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَقَسَمَ لَنَا، وَلَمْ يَقْسِمْ لِأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدْ الْفَتْحَ غَيْرَنَا.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ:
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ، وَقَوْلُهُ: سَمِعَ؛ أَيْ أَنَّهُ سَمِعَ. وَبرِيدُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ الْأَشْعَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (قَدِمْنَا)؛ أَيْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مَعَ جَعْفَرٍ وَمَنْ مَعَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقْسِمْ لِأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدِ الْفَتْحَ غَيْرَنَا) يَعْنِي الْأَشْعَرِيِّينَ وَمَنْ مَعَهُمْ، وَجَعْفَر وَمَنْ مَعَهُ. وَقَدْ سَبَقَ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ بُرَيْدٍ بِلَفْظِ: وَمَا قَسَمَ لِأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ إِلَّا أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ.
وَيُعَكِّرُ عَلَى هَذَا الْحَصْرِ مَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالَّذِي بَعْدَهُ، وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٤٢٣٤ - حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ يَقُولُ: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً، إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالْإِبِلَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى وَادِي الْقُرَى،