للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ بِلَفْظِ: أنَّ النَّبِيَّ دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَمْشِي وَهُوَ يَقُولُ:

خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ … الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ

ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ … ويُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ

فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابْنُ رَوَاحَةَ، بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ وَفِي حَرَمِ اللَّهِ تَقُولُ الشِّعْرَ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ : خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ، فَلَهْوَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ، قَالَ: وَفِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ أَصَحُّ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ قُتِلَ بِمُؤْتَةَ وَكَانَتْ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ. قُلْتُ: وَهُوَ ذُهُولٌ شَدِيدٌ وَغَلَطٌ مَرْدُودٌ، وَمَا أَدْرِي كَيْفَ وَقَعَ التِّرْمِذِيُّ فِي ذَلِكَ مَعَ وُفُورِ مَعْرِفَتِهِ وَمَعَ أَنَّ فِي قِصَّةِ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ اخْتِصَامُ جَعْفَرٍ وَأَخِيهِ عَلِيٍّ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِي بِنتِ حَمْزَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي هَذَا الْبَابِ، وَجَعْفَرٌ قُتِلَ هُوَ وَزَيْدٌ، وَابْنُ رَوَاحَةَ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، وَكَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ - أَعْنِي التِّرْمِذِيَّ - مِثْلُ هَذَا؟ ثُمَّ وَجَدْتُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الَّذِي عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ اتَّجَهَ اعْتِرَاضُهُ، لَكِنِ الْمَوْجُودُ بِخَطِّ الْكَرْوخِيِّ رَاوِي التِّرْمِذِيِّ مَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، وَعَجِيبٌ مِنَ الْحَاكِمِ كَيْفَ لَمْ يَسْتَدْرِكْهُ مَعَ أَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَمِنَ الْوَجْهِ الثَّانِي عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لِأَجْلِ جَعْفَرٍ! ثُمَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ سَبْعَةَ أَحَادِيثَ؛ الأَولُ حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ.

قَوْلُهُ: (عَنِ الْبَرَاءِ) فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ، أَخْرَجَهَا فِي الصُّلْحِ.

قَوْلُهُ: (اعْتَمَرَ النَّبِيِّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ)؛ أَيْ سَنَةَ سِتٍّ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَدَعُوهُ) بِفَتْحِ الدَّالِ؛ أَيْ يَتْرُكُوهُ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)؛ أَيْ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الذي بَعْدَهَ، وَتَقَدَّمَ سَبَبُ هَذِهِ الْمُقَاضَاةِ فِي الْكَلَامِ في حَدِيثِ الْمِسْوَرِ فِي الشُّرُوطِ مُسْتَوْفًى.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا كُتِبَ الْكِتَابُ) كَذَا هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ مِنْ كُتِبَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَلِلْأَكْثَرِ كَتَبُوا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْجِزْيَةِ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِلَفْظِ: فَأَخَذَ يَكْتُبُ بَيْنَهُمُ الشَّرْطَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ: كَتَبَ عَلِيٌّ بَيْنَهُمْ كِتَابًا، وَفِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ: قَالَ: فَدَعَا النَّبِيَّ الْكَاتِبَ فَقَالَ: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنِ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ : اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ بِاخْتِصَارِ، وَلَفْظُهُ: أَنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبِيَّ فِيهِمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ النَّبِيُّ لِعَلِيٍّ: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَقَالَ سُهَيْلٌ: مَا نَدْرِي مَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مَا نَعْرِفُ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. وَلِلْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ: فَقَالَ النَّبِيُّ : اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَأَمْسَكَ سُهَيْلٌ بِيَدِهِ فَقَالَ: اكْتُبْ فِي قَضِيَّتِنَا مَا نَعْرِفُ، فَقَالَ: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَكَتَبَ.

قَوْلُهُ: (هَذَا) إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِي الذِّهْنِ.

قَوْلُهُ: (مَا قَاضَى) خَبَرٌ مُفَسِّرٌ لَهُ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: هَذَا مَا قَاضَانَا وَهُوَ غَلَطٌ، وَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى قَوْلَهُ: اكْتُبُوا ظَنَّ بِأَنَّ الْمُرَادَ قُرَيْشٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْمُرَادَ الْمُسْلِمُونَ، وَنِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ الْكَاتِبُ وَاحِدًا مَجَازِيَّةٌ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمَذْكُورِ: فَكَتَبَ: هَذَا مَا صَالَحَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَهْلَ مَكَّةَ.

قَوْلُهُ: (قَالُوا: لَا نُقِرَّ لَكَ بِهَذَا) تَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ بِلَفْظِ: فَقَالُوا: لَا نُقِرَّ بِهَا؛ أَيْ بِالنُّبُوَّةِ.

قَوْلُهُ: (لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ