رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ السَّرَخْسِيِّ، وَالْكُشْمِيهَنِيِّ حَمِّلِيهَا بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ وَبِالتَّحْتَانِيَّةِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ فِي الصُّلْحِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ احْمِلِيهَا بِأَلِفٍ بَدَلَ التَّشْدِيدِ، وَعِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ فَقَالَ عَلِيٌّ لِفَاطِمَةَ وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا: أَمْسِكِيهَا عِنْدَكِ وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْبَاقِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ بَيْنَمَا بِنْتُ حَمْزَةَ تَطُوفُ فِي الرِّجالِ إِذْ أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِهَا فَأَلْقَاهَا إِلَى فَاطِمَةَ فِي هَوْدَجِهَا.
قَوْلُهُ: (فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَجَعْفَرٌ) أَيْ أَخُوهُ (وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ) أَيْ فِي أَيِّهِمْ تَكُونُ عِنْدَهُ، وَكَانَتْ خُصُومَتُهُمْ فِي ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالْحَاكِمِ. وَفِي الْمَغَازِي لِأَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ كَلَّمَهُ فِيهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَكَانَ وَصِيَّ حَمْزَةَ وَأَخَاهُ وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنَّ الْمُخَاصَمَةَ إِنَّمَا وَقَعَتْ بِالْمَدِينَةِ، فَلَعَلَّ زَيْدًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ فِي ذَلِكَ وَوَقَعَتِ الْمُنَازَعَةُ بَعْدُ، وَوَقَعَ فِي مَغَازِي سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا رَجَعَ إِلَى رَحْلِهِ وَجَدَ بِنْتَ حَمْزَةَ فَقَالَ لَهَا: مَا أَخرَكِ؟ قَالَتْ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ بِإِخْرَاجِهَا.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ أَخْرَجَهَا مِنْ مَكَّةَ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: كَيْفَ تَتْرُكَ ابْنَةَ عَمِّكَ مُقِيمَةً بَيْنَ ظَهَرَانَيِ الْمُشْرِكِينَ؟ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ أُمَّهَا إِمَّا لَمْ تَكُنْ أَسْلَمَتْ فَإِنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ أَنَّهَا سَلْمَى بِنْتُ عُمَيْسٍ وَهِيَ مَعْدُودَةٌ فِي الصَّحَابَةِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مَاتَتْ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِنَّمَا أَقَرَّهُمْ النبي ﷺ عَلَى أَخْذِهَا مَعَ اشْتِرَاطِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ لَا يَخْرُجَ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا أَرَادَ الْخُرُوجَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَطْلُبُوهَا، وَأَيْضًا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشُّرُوطِ وَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ النِّسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ لَمْ يَدْخُلْنَ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ إِنَّمَا نَزَلَ الْقُرْآنُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ السُّكَّرِيِّ أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ لِعَلِيٍّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ آلَى أَنْ لَا يُصِيبَ مِنْهُمْ أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهَا عَلِيٌّ: إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُمْ إِنَّمَا هِيَ مِنَّا.
قَوْلُهُ: (فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ إِلَخْ) زَادَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ فَأَيْقَظُوا النَّبِيَّ ﷺ مِنْ نَوْمِهِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخْرَجْتُهَا وَهِيَ بِنْتُ عَمِّي) زَادَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَعِنْدِي ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهِيَ أَحَقُّ بِهَا.
قَوْلُهُ: (وَخَالَتُهَا تَحْتِي) أَيْ زَوْجَتِي. وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ عِنْدِي وَاسْمُ خَالَتِهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ وَصَرَّحَ بِاسْمِهَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَكَانَ لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فِيهَا شُبْهَةٌ: أَمَّا زَيْدٌ فَلِلْأُخُوَّةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَلِكَوْنِهِ بَدَأَ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ مَكَّةَ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَلِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّهَا وَحَمَلَهَا مَعَ زَوْجَتِهِ وَأَمَّا جَعْفَرٌ فَلِكَوْنِهِ ابْنَ عَمِّهَا وَخَالَتُهَا عِنْدَهُ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ جَعْفَرٍ بِاجْتِمَاعِ قَرَابَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنْهَا دُونَ الْآخَرَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ زَيْدٌ: بِنْتُ أَخِي) زَادَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ إِنَّمَا خَرَجْتُ إِلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ ﷺ لِخَالَتِهَا) فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: جَعْفَرٌ أَوْلَى بِهَا. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَأَحْمَدَ: أَمَّا الْجَارِيَةُ فَلَأَقَضِي بِهَا لِجَعْفَرٍ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ السُّكَّرِيِّ: ادْفَعَاهَا إِلَى جَعْفَرِ فَإِنَّهُ أَوْسَعُ مِنْكُمْ. وَهَذَا سَبَبٌ ثَالِثٌ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ: الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ) أَيْ فِي هَذَا الْحُكْمِ الْخَاصِّ؛ لِأَنَّهَا تَقْرُبُ مِنْهَا فِي الْحُنُوِّ وَالشَّفَقَةِ وَالِاهْتِدَاءِ إِلَى مَا يُصْلِحُ الْوَلَدَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَالَةَ تَرِثُ لِأَنَّ الْأُمَّ تَرِثُ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَفِي مُرْسَلِ الْبَاقِرِ الْخَالَةُ وَالِدَةٌ، وَإِنَّمَا الْخَالَةُ أُمٌّ وَهِيَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ: بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ لَا أَنَّهَا أُمٌّ حَقِيقةٌ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْخَالَةَ فِي الْحَضَانَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْعَمَّةِ؛ لِأَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَئِذٍ، وَإِذَا قُدِّمَتْ عَلَى الْعَمَّةِ مَعَ كَوْنِهَا أَقْرَبَ الْعَصِبَاتِ مِنَ النِّسَاءِ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَقْدِيمُ أَقَارِبِ الْأُمِّ عَلَى أَقَارِبِ الْأَبِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً أَنَّ الْعَمَّةَ مُقَدَّمَةٌ فِي الْحَضَانَةِ عَلَى الْخَالَةِ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِأَنَّ الْعَمَّةَ لَمْ تَطْلُبْ، فَإِنْ قِيلَ: وَالْخَالَةُ لَمْ تَطْلُبْ، قِيلَ: