قَدْ طَلَبَ لَهَا زَوْجُهَا، فَكَمَا أَنَّ لِلْقَرِيبِ الْمَحْضُونِ أَنْ يَمْنَعَ الْحَاضِنَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ فَلِلزَّوْجِ أَيْضًا أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ أَخْذِهِ، فَإِذَا وَقَعَ الرِّضَا سَقَطَ الْحَرَجُ.
وَفِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا تَعْظِيمُ صِلَةِ الرَّحِمِ بِحَيْثُ تَقَعُ الْمُخَاصَمَةُ بَيْنَ الْكِبَارِ فِي التَّوَصُّلِ إِلَيْهَا، وَأَنَّ الْحَاكِمَ يُبَيِّنُ دَلِيلَ الْحُكْمِ لِلْخَصْمِ، وَأَنَّ الْخَصْمَ يُدْلِي بِحُجَّتِهِ، وَأَنَّ الْحَاضِنَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِقَرِيبِ الْمَحْضُونَةِ لَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا إِذَا كَانَتِ الْمَحْضُونَةُ أُنْثَى أَخْذًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَهُ أَحْمَدُ، وَعَنْهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأُنْثَى وَالذَّكَرِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَحْرَمًا لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَأْمُونًا، وَأَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تُشْتَهَى، وَلَا تَسْقُطُ إِلَّا إِذَا تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ، وَالْمَعْرُوفُ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الزَّوْجِ جَدًّا لَلْمَحْضُونِ. وَأَجَابُوا عَنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ بِأَنَّ الْعَمَّةَ لَمْ تطْلُبْ وَأَنَّ الزَّوْجَ رَضِيَ بِإِقَامَتِهَا عِنْدَهُ، وَكُلُّ مَنْ طَلَبَتْ حَضَانَتَهَا لَهَا كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً فَرَجَّحَ جَانِبَ جَعْفَرٍ بِكَوْنِهِ تَزَوَّجَ الْخَالَةَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ لِعَلِيٍّ: أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ) أَيْ فِي النَّسَبِ وَالصِّهْرِ وَالْمُسَابَقَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَزَايَا، وَلَمْ يُرِدْ مَحْضَ الْقَرَابَةِ وَإِلَّا فَجَعْفَرٌ شَرِيكُهُ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْأُولَى وَضَمِّ الثَّانِيَةِ، فِي مُرْسَلِ ابْنِ سِيرِينَ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ أَشْبَهَ خَلْقُكَ خَلْقِي، وَخُلُقُكَ خُلُقِي وَهِيَ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِجَعْفَرٍ، أَمَّا الْخَلْقُ فَالْمُرَادُ بِهِ الصُّورَةُ فَقَدْ شَارَكَهُ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِمَّنْ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ، وَقَدْ ذَكَرْتُ أَسْمَاءَهُمْ فِي مَنَاقِبِ الْحَسَنِ وَأَنَّهُمْ عَشَرَةُ أَنْفُسٍ غَيْرَ فَاطِمَةَ ﵍، وَقَدْ كُنْتُ نَظَمْتُ إِذْ ذَاكَ بَيْتَيْنِ فِي ذَلِكَ وَوَقَفْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَلَدَ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ يُشْبِهُهُ، وَكَذَا فِي قِصَّةِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ وَلَدَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ، وَعَوْنًا كَانَا يُشْبِهَانِهِ فَغَيَّرْتُ الْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِالزِّيَادَةِ فَأَصْلَحَتْهُمَا هُنَاكَ، وَرَأَى إِعَادَتَهُمَا هُنَا لِيَكْتُبَهُمَا مَنْ لَمْ يَكُنْ كَتَبَهُمَا إِذْ ذَاكَ:
شَبَهُ النَّبِيِّ لِيجَ سَائِبٍ وَأَبِي … سُفْيَانَ وَالْحَسَنَيْنِ الْخَالُ أُمُّهُمَا
وَجَعْفَرٌ وَلَدَاهُ وَابْنُ عَامِرِهِمْ … وَمُسْلِمٌ كَابِسٌ يَتْلُوهُ مَعَ قُثَمَا
وَوَقَعَ فِي تَرَاجِمِ الرِّجَالِ وَأَهْلِ الْبَيْتِ مِمَّنْ كَانَ يُشْبِهُهُ ﷺ مِنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ عِدَّةٌ: مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَيَحْيَى بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الشَّبِيهُ، وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَلِيُّ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبَّادِ بْنِ رِفَاعَةِ الرِّفَاعِيُّ شَيْخٌ بَصْرِيٌّ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَفَّانَ قَالَ: كَانَ يُشْبِهُ النَّبِيَّ ﷺ، وَإِنَّمَا لَمْ أُدْخِلْ هَؤُلَاءِ فِي النَّظْمِ لِبُعْدِ عَهْدِهِمْ عَنْ عَصْرِ النَّبِيِّ ﷺ فَاقْتَصَرْتُ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا شَبَهُهُ فِي الْخُلُقِ بِالضَّمِّ فَخُصُوصِيَّةٌ لجَعْفَرٍ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ حَصَلَ لِفَاطِمَةَ ﵍، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَكِنْ لَيْسَ بِصَرِيحٍ كَمَا فِي قِصَّةِ جَعْفَرٍ هَذِهِ. وَهِيَ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِجَعْفَرٍ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
قَوْلُهُ: (وَقَالَ لِزَيْدٍ: أَنْتَ أَخُونَا) أَيْ فِي الْإِيمَانِ (وَمَوْلَانَا) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ، فَوَقَعَ مِنْهُ ﷺ تَطْيِيبُ خَوَاطِرِ الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَ قَضَى لِجَعْفَرٍ فَقَدْ بَيَّنَ وَجْهَ ذَلِكَ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْخَالَةُ وَجَعْفَرٌ تَبَعٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ الْقَائِمَ فِي الطَّلَبِ لَهَا، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَكَذَا فِي مُرْسَلِ الْبَاقِرِ فَقَامَ جَعْفَرٌ فَحَجِلَ حَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ: دَارَ عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَا هَذَا؟ قَالَ: شَيْءٌ رَأَيْتُ الْحَبَشَةَ يَصْنَعُونَهُ بِمُلُوكِهِمْ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّجَاشِيَّ كَانَ إِذَا رَضَّى أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ قَامَ فَحَجِلَ حَوْلَهُ وَحَجِلَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ وَقَفَ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الرَّقْصُ بِهَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ فَعَلُوا ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (قَالَ عَلِيٌّ) أَيْ لِلنَّبِيِّ ﷺ (أَلَا تَتَزَوَّجُ بِنْتَ حَمْزَةَ؟ قَالَ: إِنَّهَا