كَانَ شَقِيقَهُ وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ مَوْتِ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ ثُمَّ وَقَعَتِ الْهِجْرَةُ وَلَمْ يُسْلِمْ طَالِبٌ وَتَأَخَّرَ إِسْلَامُ عَقِيلٍ اسْتَوْلَيَا عَلَى مَا خَلَفَ أَبُو طَالِبٍ، وَمَاتَ طَالِبٌ قَبْلَ بَدْرٍ وَتَأَخَّرَ عَقِيلٌ، فَلَمَّا تَقَرَّرَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بِتَرْكِ تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَقِيلٍ فَأَشَارَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى ذَلِكَ، وَكَانَ عَقِيلٌ قَدْ بَاعَ تِلْكَ الدُّورَ كُلَّهَا. وَاخْتُلِفَ فِي تَقْرِيرِ النَّبِيِّ ﷺ عَقِيلًا عَلَى مَا يَخُصُّهُ هُوَ. فَقِيلَ: تَرَكَ لَهُ ذَلِكَ تَفَضُّلًا عَلَيْهِ، وَقِيلَ اسْتِمَالَةً لَهُ وَتَأْلِيفًا، وَقِيلَ: تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا تُصَحَّحُ أَنْكِحَتُهُمْ.
وَفِي قَوْلِهِ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ بَيْعٍ لَنَزَلَ فِيهَا، وَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى الْخَطَّابِيُّ حَيْثُ قَالَ: إِنَّمَا لَمْ يَنْزِلِ النَّبِيُّ ﷺ فِيهَا لِأَنَّهَا دُورٌ هَجَرُوهَا فِي اللَّهِ - تَعَالَى - بِالْهِجْرَةِ، فَلَمْ يَرَ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ تَرَكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى. وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى، وَالْأَظْهَرُ مَا قَدَّمْتُهُ، وَأَنَّ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالتَّرْكِ إِنَّمَا هُوَ إِقَامَةُ الْمُهَاجِرِ فِي الْبَلَدِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي أَبْوَابِ الْهِجْرَةِ، لَا مُجَرَّدَ نُزُولِهِ فِي دَارٍ يَمْلِكُهَا إِذَا أَقَامَ الْمُدَّةَ الْمَأْذُونَ لَهُ فِيهَا، وَهِيَ أَيَّامُ النُّسُكِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ) أَيْ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ (أَيْنَ نَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ) طَرِيقُ مَعْمَرٍ تَقَدَّمَتْ مَوْصُولَةً فِي الْجِهَادِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقُلْ يُونُسُ) أَيِ ابْنُ يَزِيدَ (حَجَّتِهِ وَلَا زَمَنَ الْفَتْحِ) أَيْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ، وبَقِيَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ، وَمَعْمَرٍ، أَوْثَقُ وَأَتْقَنُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الْأَعْرَجُ.
قَوْلُهُ: (مَنْزِلُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ) هُوَ لِلتَّبَرُّكِ.
قَوْلُهُ: (إِذَا افْتَتَحَ اللَّهُ الْخَيْفُ) هُوَ بِالرَّفْعِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَنْزِلُنَا، وَلَيْسَ هُوَ مَفْعُولُ افْتَتَحَ. وَالْخَيْفُ مَا انْحَدَرَ عَنْ غِلَظِ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنْ مَسِيلِ الْمَاءِ.
قَوْلُهُ: (حَيْثُ تَقَاسَمُوا) يَعْنِي قُرَيْشًا (عَلَى الْكُفْرِ) أَيْ لَمَّا تَحَالَفَ قُرَيْشٌ أَنْ لَا يُبَايِعُوا بَنِي هَاشِمٍ وَلَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُؤْوُوهُمْ وَحَصَرُوهُمْ فِي الشِّعْبِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَبْعَثِ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا شَرْحُهُ فِي بَابِ نُزُولِ النَّبِيِّ ﷺ بِمَكَّةَ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ.
قَوْلُهُ في الطريق الثانية: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ أَرَادَ حُنَيْنًا) أَيْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ غَزْوَةَ حُنَيْنٍ عَقِبَ غَزْوَةِ الْفَتْحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَجِّ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ وَلَا مُغَايِرَةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِطَرِيقِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ، لَكِنْ ذَكَرَهُ هُنَاكَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ قَالَ وَهُوَ بِمِنًى: نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي حَجَّتِهِ لَا فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ التَّعَدُّدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قِيلَ: إِنَّمَا اخْتَارَ النَّبِيُّ ﷺ النُّزُولَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَتَذَكَّرَ مَا كَانُوا فِيهِ فَيَشْكُرَ اللَّهَ - تَعَالَى - عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنَ الْفَتْحِ الْعَظِيمِ وَتَمَكُّنِهِمْ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ ظَاهِرًا عَلَى رَغْمَ أَنْفِ مَنْ سَعَى فِي إِخْرَاجِهِ مِنْهَا وَمُبَالَغَةً فِي الصَّفْحِ عَنِ الَّذِينَ أَسَاءُوا وَمُقَابَلَتِهِمْ بِالْمَنِّ وَالْإِحْسَانِ، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ.
٤٢٨٦ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: اقْتُلْهُ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ ﷺ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ - يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا.
٤٢٨٧ - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ﵁ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ