للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْكُفَّارُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ فَهُوَ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي، فَإِذَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَكَأَنَّهُ رَجَعَ إِلَيْهِمْ مَا كَانَ لَهُمْ، وَقَدْ قَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّهُ أَمَرَ بِحَبْسِ الْغَنَائِمِ بَالْجِعْرَانَةِ، فَلَمَّا رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ وَصَلَ إِلَى الْجِعْرَانَةِ فِي خَامِسِ ذِي الْقَعْدَةِ، وَكَانَ السَّبَبُ فِي تَأْخِيرِ الْقِسْمَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمُوا، وَكَانُوا سِتَّةَ آلَافِ نَفْسٍ مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ، وَكَانَتِ الْإِبِلُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَالْغَنَمُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ شَاةٍ.

قَوْلُهُ: (قَسَمَ فِي النَّاسِ) حَذَفَ الْمَفْعُولُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْغَنَائِمُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ فِي الْبَابِ يُعْطِي رِجَالًا الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ.

وَقَوْلُهُ: (فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَالْمُرَادُ بِالْمُؤَلَّفَةِ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَسْلَمُوا يَوْمَ الْفَتْحِ إِسْلَامًا ضَعِيفًا، وَقِيلَ: كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ بَعْدُ كَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمُ الَّذِينَ هُمْ أَحَدُ الْمُسْتَحَقِّينَ لِلزَّكَاةِ فَقِيلَ: كُفَّارٌ يُعْطَوْنَ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: مُسْلِمُونَ لَهُمْ أَتْبَاعٌ كُفَّارٌ لِيَتَأَلَّفُوهُمْ، وَقِيلَ: مُسْلِمُونَ أَوَّلَ مَا دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ لِيَتَمَكَّنَ الْإِسْلَامُ مِنْ قُلُوبِهِمْ. وَأَمَّا الْمُرَادُ بِالْمُؤَلَّفَةِ هُنَا فَهَذَا الْأَخِيرُ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ فِي الْبَابِ: فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي فِي بَابِ قَسْمِ الْغَنَائِمِ فِي قُرَيْشٍ وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ وَهُمْ فِيهَا، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَأَتْبَاعُهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالْمُهَاجِرِينَ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ.

وَقَدْ سَرَدَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ طَاهِرٍ فِي الْمُبْهَمَاتِ لَهُ أَسْمَاءَ الْمُؤَلَّفَةِ، وَهُمْ (س) أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، (س) وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَأَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بِعْكَكٍ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَرْبُوعٍ وَهَؤُلَاءِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حصنٍ الْفَزَارِيُّ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَيْهَمِ التَّمِيمِيُّ، (س) وَالْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ، (س) وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّضْرِيُّ، وَالْعَلَاءُ بْنُ حَارِثَةَ الثَّقَفِيُّ، وَفِي ذِكْرِ الْأَخِيرَيْنِ نَظَرٌ؛ فَقِيلَ: إِنَّهُمَا جَاءَا طَائِعِينَ مِنَ الطَّائِفِ إِلَى الْجِعْرَانَةِ، وَذَكَرَ الْوَاقِدَيُّ فِي الْمُؤَلَّفَةِ (س) مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ ابْنِي أَبِي سُفْيَانَ، وَأُسِيدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَمَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، (س) وَسَعِيدَ بْنَ يَرْبُوعٍ، (س) وَقِيسَ بْنَ عَدِّي (س) وَعَمْرَو بْنَ وَهْبٍ، (س) وَهِشَامَ بْنَ عَمْرٍو. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ مَنْ ذَكَرْتُ عَلَامَةَ سِينٍ وَزَادَ: النضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَالْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، وَجُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ. وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ فِيهِمْ أَبُو عُمَرَ سُفْيَانُ بْنُ الْأَسَدِ، وَالسَّائِبُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ، وَمُطِيعُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَأَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ. وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيهِمْ: زَيْدَ الْخَيْلِ، وَعَلْقَمَةَ، وابْنَ عُلَاثَةَ، وَحَكِيمَ بْنَ طَلْقِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَخَالِدَ بْنَ قَيْسٍ السَّهْمِيَّ، وَعُمَيْرَ بْنَ مِرْدَاسٍ.

وَذَكَرَ غَيْرَهُمْ فِيهِمْ قَيْسُ بْنُ مَخْرَمَةَ، وَأُحَيْحَةُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَابْنُ أَبِي شَرِيقٍ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ هَوْذَةَ، وَخَالِدُ بْنُ هَوْذَةَ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ عَامِرٍ الْعَبْدَرِيُّ، وَشَيْبَةُ بْنُ عُمَارَةَ، وَعَمْرُو بْنُ وَرَقَةَ، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَهِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيُّ. فَهَؤُلَاءِ زِيَادَةٌ عَلَى أَرْبَعِينَ نَفْسًا.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا) ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْعَطِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ مِنْ جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: الْإِجْرَاءُ عَلَى أُصُولِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْعَطَاءَ الْمَذْكُورَ كَانَ مِنَ الْخُمُسِ، وَمِنْهُ كَانَ أَكْثَرُ عَطَايَاهُ، وَقَدْ قَالَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ لِلْأَعْرَابِيِّ: مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ فِي الْبَابِ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ. قُلْتُ: الْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَسَيَأْتِي مَا يُؤَكِّدُهُ.

وَالَّذِي رَجَّحَهُ الْقُرْطُبِيُّ جَزَمَ بِهِ الْوَاقِدِيُّ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إِذَا انْفَرَدَ فَكَيْفَ إِذَا خَالَفَ،