للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (بَابُ بَعْثِ أَبِي مُوسَى، وَمُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ) كَأَنَّهُ أَشَارَ بِالتَّقْيِيدِ بِمَا قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ أَحَادِيثَ الْبَابِ أَنَّهُ رَجَعَ مِنَ الْيَمَنِ فَلَقِيَ النَّبِيَّ بِمَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لَكِنَّ الْقَبْلِيَّةَ نِسْبِيَّةٌ، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي الزَّكَاةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ مُعَاذٍ مَتَى كَانَ بَعْثُهُ إِلَى الْيَمَنِ. وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ مُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الْيَمَنِ خَرَجَ يُوصِيهِ وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ قُطَيْبٍ، عَنْ مُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَنِي النَّبِيُّ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: قَدْ بَعَثْتُكَ إِلَى قَوْمٍ رَقِيقَةٍ قُلُوبُهُمْ، فَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ وَعِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهَا كَانَتْ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ) هُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ أَبَا مُوسَى) هَذَا صُورَتُهُ مُرْسَلٌ، وَقَدْ عَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِطَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ ظَاهِرُ الِاتِّصَالِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسُّؤَالِ عَنِ الْأَشْرِبَةِ، لَكِنِ الْغَرَضَ مِنْهُ إِثْبَاتُ قِصَّةِ بَعْثِ أَبِي مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ، وَهُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ، ثُمَّ قَوَّاهُ بِطَرِيقِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ إِلَى أَرْضِ قَوْمِي الْحَدِيثَ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ الْإِهْلَالِ، لَكِنَّهُ يُثْبِتُ أَصْلَ قِصَّةِ الْبَعْثِ الْمَقْصُودَةِ هُنَا أَيْضًا، ثُمَّ قَوَّى قِصَّةَ مُعَاذٍ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ لَهُ حِينَ أَرْسَلَهُ إِلَى الْيَمَنِ، وَبِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مُعَاذٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا أَيْضًا إِثْبَاتُ أَصْلِ قِصَّةِ بَعْثِ مُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ، وَإِنْ كَانَ سِيَاقُ الْحَدِيثِ فِي مَعْنًى آخَرَ، وَقَدِ اشْتَمَلَ الْبَابُ عَلَى عِدَّةِ أَحَادِيثَ: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَصْلُ الْبَعْثَ إِلَى الْيَمَنِ، وَسَيَأْتِي فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى سَبَبُ بَعْثِهِ إِلَى الْيَمَنِ وَلَفْظُهُ: قَالَ: أَقْبَلْتُ وَمَعِي رَجُلَانِ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ وَكِلَاهُمَا سَأَلَ - يَعْنِي أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ - فَقَالَ: لَنْ نَسْتَعْمِلَ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ يَا أَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ.

قَوْلُهُ: (وَبَعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلَافٍ، قَالَ: وَالْيَمَنُ مِخْلَافَانِ) الْمِخْلَافُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ فَاءٌ، هُوَ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَهُوَ الْكُورَةُ وَالْإِقْلِيمُ وَالرُّسْتَاقُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ، وَآخِرُهَا قَافٌ. وَكَانَتْ جِهَةُ مُعَاذٍ الْعُلْيَا إِلَى صَوْبِ عَدَنَ، وَكَانَ مِنْ عَمَلِهِ الْجَنَدُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنُّونِ، وَلَهُ بِهَا مَسْجِدٌ مَشْهُورٌ إِلَى الْيَوْمِ، وَكَانَتْ جِهَةُ أَبِي مُوسَى السُّفْلَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا) قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ مَعْنَى الثَّانِي مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَنْ يُقَالَ: بَشِّرَا وَلَا تُنْذِرَا وَآنِسَا وَلَا تُنَفِّرَا. فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِيَعُمَّ الْبِشَارَةَ وَالنِّذَارَةَ، وَالتَّأْنِيسَ وَالتَّنْفِيرَ. قُلْتُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ النُّكْتَةَ فِي الْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الْبِشَارَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَبِلَفْظِ التَّنْفِيرِ وَهُوَ اللَّازِمُ، وَأَتَى بِالَّذِي بَعْدَهُ عَلَى الْعَكْسِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْإِنْذَارَ لَا يُنْفَى مُطْلَقًا بِخِلَافِ التَّنْفِيرِ، فَاكْتَفَى بِمَا يَلْزَمُ عَنْهُ الْإِنْذَارُ وَهُوَ التَّنْفِيرُ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِنْ أَنْذَرْتُمْ فَلْيَكُنْ بِغَيْرِ تَنْفِيرٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا﴾

قَوْلُهُ: (إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا) كَذَا فِيهِ، وَلِلْأَكْثَرِ إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ وَكَانَ قَرِيبًا أَحْدَثَ - أَيْ جَدَّدَ - بِهِ الْعَهْدَ لِزِيَارَتِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْآتِيَةِ فِي الْبَابِ فَجَعَلَا يَتَزَاوَرَانِ، فَزَارَ مُعَاذٌ، أَبَا مُوسَى زَادَ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَلْقَى لَهُ وِسَادَةً قَالَ انْزِلْ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّهُ يَهُودِيٌّ، وَسَيَأْتِي كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ مَعَ شَرْحِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَبَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِي مُدَّةِ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ، وَقَوْلُهُ: (أَيْمَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَرْكِ إِشْبَاعِهَا لُغَةٌ، وَأَخْطَأَ مَنْ ضَمَّهَا وَأَصْلُهُ أَيِ الِاسْتِفْهَامِيَّةُ دَخَلَتْ عَلَيْهَا مَا وَقَدْ سُمِعَ أَيْمَ هَذَا بِالتَّخْفِيفِ مِثْلَ إِيشَ هَذَا فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ مِنْ (أَيْمَ) وَالْهَمْزُ مِنْ (إِيشَ).

قَوْلُهُ: (ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: