للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَا عَبْدَ اللَّهِ) هُوَ اسْمُ أَبِي مُوسَى (كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا) بِالْفَاءِ ثُمَّ الْقَافِ أَيْ أُلَازِمُ قِرَاءَتَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَحِينًا بَعْدَ حِينٍ: مَأْخُوذٌ مِنْ فَوَاقِ النَّاقَةِ وَهُوَ أَنْ تُحْلَبَ ثُمَّ تُتْرَكَ سَاعَةً حَتَّى تَدِرَّ ثُمَّ تُحْلَبُ هَكَذَا دَائِمًا.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي) قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ لَعَلَّهُ: أَرْبِي وَهُوَ الْوَجْهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ لَوْ جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ، وَلَكِنِ الَّذِي جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ صَحِيحٌ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ جَزَّأَ اللَّيْلَ أَجْزَاءً: جُزْءًا لِلنَّوْمِ، وَجُزْءًا لِلْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى تَخْطِئَةِ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ الْمُوَجَّهَةِ بِمُجَرَّدِ التَّخَيُّلِ.

قَوْلُهُ: (فَاحْتَسَبْتُ نَوْمَتِي كَمَا احْتَسَبْتُ قَوْمَتِي) كَذَا لَهُمْ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَأَحْتَسِبُ بِغَيْرِ الْمُثَنَّاةِ فِي آخِرِهِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ فِي الرَّاحَةِ كَمَا يَطْلُبُهُ فِي التَّعَبِ؛ لِأَنَّ الرَّاحَةَ إِذَا قُصِدَ بِهَا الْإِعَانَةُ عَلَى الْعِبَادَةِ حَصَّلَتِ الثَّوَابَ.

(تَنْبِيهٌ): كَانَ بَعْثُ أَبِي مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ غَزْوَةَ تَبُوكَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِيمَا بَعْدُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ عَالِمًا فَطِنًا حَاذِقًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُوَلِّهِ النَّبِيُّ ﷺ الْإِمَارَةَ، وَلَوْ كَانَ فَوَّضَ الْحُكْمَ لِغَيْرِهِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَوْصِيَتِهِ بِمَا وَصَّاهُ بِهِ، وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ، وَأَمَّا الْخَوَارِجُ وَالرَّوَافِضُ، فَطَعَنُوا فِيهِ وَنَسَبُوهُ إِلَى الْغَفْلَةِ، وَعَدَمِ الْفِطْنَةِ لِمَا صَدَرَ مِنْهُ فِي التَّحْكِيمِ بِصِفِّينَ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي وَصْفُهُ بِذَلِكَ، وَغَايَةُ مَا وَقَعَ مِنْهُ أَنَّ اجْتِهَادَهُ أَدَّاهُ إِلَى أَنْ يَجْعَلَ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَنَحْوِهِمْ (١) لِمَا شَاهَدَ مِنَ الِاخْتِلَافِ الشَّدِيدِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ بِصِفِّينَ، وَآلَ الْأَمْرُ إِلَى مَا آلَ إِلَيْهِ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي:

٤٣٤٣ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ﵁: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ فَقُلْتُ لِأَبِي بُرْدَةَ: مَا الْبِتْعُ؟ قَالَ: نَبِيذُ الْعَسَلِ، وَالْمِزْرُ نَبِيذُ الشَّعِيرِ فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. رَوَاهُ جَرِيرٌ، وَعَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ.

٤٣٤٤، ٤٣٤٥ - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ جَدَّهُ أَبَا مُوسَى، وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ أَرْضَنَا بِهَا شَرَابٌ مِنْ الشَّعِيرِ الْمِزْرُ، وَشَرَابٌ مِنْ الْعَسَلِ الْبِتْعُ، فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، فَانْطَلَقَا فَقَالَ مُعَاذٌ، لِأَبِي مُوسَى: كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى رَاحِلَتِي، وَأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ، فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي، وَضَرَبَ فُسْطَاطًا فَجَعَلَا يَتَزَاوَرَانِ فَزَارَ مُعَاذٌ، أَبَا مُوسَى، فَإِذَا


(١) هذا ما اتفق عليه الحكمان، وهو خلاف ما دسته الشيعة في كتب التاريخ وشوهته، فاستقر في الأذهان خطأ، لتداول مؤلفي كتب التاريخ هذا الخطأ وإقرارهم له على غير ما وقع. انظر تحقيق ذلك في كتاب "العواصم من القواصم" للقاضي أبي بكر بن العربي وتعليقات محب الدين الخطيب عليه.