وَالرَّفِيقُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةَ ذَاتٍ كَالْحَكِيمِ، أَوْ صِفَةَ فِعْلٍ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حَضْرَةُ الْقُدْسِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجَمَاعَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي آيَةِ النِّسَاءِ. وَمَعْنَى كَوْنِهِمْ رَفِيقًا تَعَاوُنُهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَارْتِفَاقُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ. وَقَدْ غَلَّطَ الْأَزْهَرِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَلَا وَجْهَ لِتَغْلِيطِهِ مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي غَلَّطَهُ بِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: مَعَ الرَّفِيقِ أَوْ فِي الرَّفِيقِ؛ لِأَنَّ تَأْوِيلَهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِاللَّهِ سَائِغٌ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: الْحِكْمَةُ فِي اخْتِتَامِ كَلَامِ الْمُصْطَفَى بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ كَوْنُهَا تَتَضَمَّنُ التَّوْحِيدَ وَالذِّكْرَ بِالْقَلْبِ حَتَّى يُسْتَفَادَ مِنْهُ الرُّخْصَةُ لِغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَمْنَعُهُ مِنَ النُّطْقِ مَانِعٌ فَلَا يَضُرُّهُ إِذَا كَانَ قَلْبُهُ عَامِرًا بِالذِّكْرِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ) فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ: فَقُلْتُ إِذًا لَا يَخْتَارُنَا، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَعِنْدَ أَبِي الْأَسْوَدِ فِي الْمَغَازِي عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَخَيَّرَهُ.
(تَنْبِيهٌ): قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَجَدْتُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا ﷺ وَهُوَ مُسْتَرْضِعٌ عِنْدَ حَلِيمَةَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَآخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ: جَلَالُ رَبِّي الرَّفِيعُ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي السِّوَاكِ.
٤٤٣٨ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَصَرَهُ فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَصَمْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَاسْتَنَّ بِهِ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَفَعَ يَدَهُ أَوْ إِصْبَعَهُ ثُمَّ قَالَ: فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى ثَلَاثًا ثُمَّ قَضَى وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي.
٤٤٤٠ - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهُوَ مُسْنِدٌ إِلَيَّ ظَهْرَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ.
[الحديث ٤٤٤٠ - طرفه في: ٥٦٧٤]
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ) جَزَمَ الْحَاكِمُ بِأَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَسَقَطَ عِنْدَ ابْنِ السَّكَنِ فَصَارَ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ عَفَّانَ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَعَفَّانُ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ قَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ قَلِيلًا مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ.
قَوْلُهُ: (وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَمَرَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَفِي يَدِهِ جَرِيدَةٌ رَطْبَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ بِهَا حَاجَةً، فَأَخَذْتُهَا فَمَضَغْتُ رَأْسَهَا وَنَفَضْتُهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (يَسْتَنُّ بِهِ) أَيْ يَسْتَاكُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَصْلُهُ مِنَ السَّنِّ أَيْ بِالْفَتْحِ، وَمِنْهُ الْمِسَنُّ الَّذِي يُسَنُّ عَلَيْهِ الْحَدِيدُ.
قَوْلُهُ: (فَأَبَدَّهُ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ: مَدَّ نَظَرُهُ إِلَيْهِ، يُقَالُ: أَبْدَدْتُ فُلَانًا النَّظَرَ إِذَ طَوَّلْتُهُ إِلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: فَأَمَدَّهُ بِالْمِيمِ.
قَوْلُهُ: (فَقَضِمْتُهُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مَضَغْتُهُ، وَالْقَضْمُ الْأَخْذُ بِطَرَفِ الْأَسْنَانِ، يُقَالُ: قَضِمَتِ الدَّابَّةُ بِكَسْرِ الضَّادِ شَعِيرَهَا تَقْضَمُ بِالْفَتْحِ إِذَا مَضَغَتْهُ وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ الْأَكْثَرَ رَوَوْهُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ: كَسَرَتْهُ أَوْ قَطَعَتْهُ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ رِوَايَةً بِالْفَاءِ وَالْمُهْمَلَةِ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: إِنْ كَانَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ فَيَكُونُ قَوْلُهَا: فَطَيَّبْتُهُ تَكْرَارًا