للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَكِنْ وَقَعَ فِي الْجِهَادِ بِلَفْظِ فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَخْ فَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ دَعَا بِتُرْجُمَانِهِ أَيْ فَأَجْلَسَهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي سُفْيَانَ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِ فَحَضَرَ، وَكَأَنَّ التُّرْجُمَانَ كَانَ وَاقِفًا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مُلُوكِ الْأَعَاجِمِ، فَخَاطَبَهُمْ هِرَقْلُ بِالسُّؤَالِ الْأَوَّلِ، فَلَمَّا تَحَرَّرَ لَهُ حَالُ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يُخَاطِبَهُ مِنْ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ أَمْرَ التُّرْجُمَانَ بِالْجُلُوسِ إِلَيْهِ لِيُعَبِّرَ عَنْهُ بِمَا أَرَادَ، وَالتُّرْجُمَانُ مَنْ يُفَسِّرُ لُغَةً بِلُغَةٍ فَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ فَسَّرَ كَلِمَةً غَرِيبَةً بِكَلِمَةٍ وَاضِحَةٍ، فَإِنِ اقْتَضَى مَعْنَى التُّرْجُمَانِ ذَلِكَ فَلْيُعْرَفْ أَنَّهُ الَّذِي يُفَسِّرُ لَفْظًا بِلَفْظٍ. وَقَدِ اخْتُلِفَ هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ مُعَرَّبٌ؟ وَالثَّانِي أَشْهَرُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَنُونُهُ زَائِدَةٌ اتِّفَاقًا. ثُمَّ قِيلَ: هُوَ مِنْ تَرْجِيمِ الظَّنِّ، وَقِيلَ: مِنَ الرَّجْمِ، فَعَلَى الثَّانِي تَكُونُ التَّاءُ أَيْضًا زَائِدَةً، وَيُوجِبُ كَوْنُهُ مِنَ الرَّجْمِ أَنَّ الَّذِي يُلْقِي الْكَلَامَ كَأَنَّهُ يَرْجُمُ الَّذِي يُلْقِيِهِ إِلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ) مِنْ كَأَنَّهَا ابْتِدَائِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مَبْدَؤُهُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ أَوْ هِيَ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِهَذَا الرَّجُلِ وَفِي رِوَايَةِ الْجِهَادِ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ فَإِنَّ أَقْرَبَ يَتَعَدَّى بِإِلَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ بِمَعْنَى الْغَايَةِ فَقَدْ ثَبَتَ وُرُودُهَا لِلْغَايَةِ مَعَ قِلَّةٍ.

قَوْلُهُ: (وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي) فِي رِوَايَةِ الْجِهَادِ عِنْدَ كَتِفِي وَهِيَ أَخَصُّ، وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لِأَصْحَابِهِ إِنَّمَا جَعَلْتُكُمْ عَنْ كَتِفَيْهِ لِتَرُدُّوا عَلَيْهِ كَذِبًا إِنْ قَالَهُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ هَذَا الرَّجُلِ) أَشَارَ إِلَيْهِ إِشَارَةَ الْقُرْبِ لِقُرْبِ الْعَهْدِ بِذِكْرِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ مَعْهُودٌ فِي أَذْهَانِهِمْ لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي مُعَادَاتِهِ. وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَجَعَلْتُ أُزَهِّدُهُ فِي شَأْنِهِ وَأُصَغِّرُ أَمْرَهُ وَأَقُولُ: إِنَّ شَأْنَهُ دُونَ مَا بَلَغَكَ، فَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَذَبَنِي) بِالتَّخْفِيفِ (فَكَذِّبُوهُ) بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: يَقُولُ لَكُمْ ذَلِكَ. وَلَمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّ مَجَالِسَ الْأَكَابِرِ لَا يُوَاجَهُ أَحَدٌ فِيهَا بِالتَّكْذِيبِ احْتِرَامًا لَهُمْ، أَذِنَ لَهُمْ هِرَقْلُ فِي ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ الَّتِي أَرَادَهَا.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّيْمِيُّ: كَذَبَ بِالتَّخْفِيفِ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ مِثْلَ صَدَقَ، تَقُولُ: كَذَبَنِي الْحَدِيثَ وَصَدَقَنِي الْحَدِيثَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ﴾ وَكَذَّبَ بِالتَّشْدِيدِ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَهُمَا مِنْ غَرَائِبِ الْأَلْفَاظِ لِمُخَالَفَتِهِمَا الْغَالِبَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُنَاسِبُ الزِّيَادَةَ وَبِالْعَكْسِ، وَالْأَمْرُ هُنَا بِالْعَكْسِ.

قَوْلُهُ: (وَأَيْمُ اللَّهِ) بِالْهَمْزَةِ وَبِغَيْرِ الْهَمْزَةِ، وَفِيهَا لُغَاتٌ أُخْرَى تَقَدَّمَتْ.

قَوْلُهُ: (يُؤْثَرُ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ، أَيْ: يُنْقَلُ.

قَوْلُهُ: (كَيْفَ حَسَبُهُ؟) كَذَا هُنَا، وَفِي غَيْرِهَا: كَيْفَ نَسَبُهُ؟ وَالنَّسَبُ الْوَجْهُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِدْلَاءُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ، وَالْحَسَبُ مَا يَعُدُّهُ الْمَرْءُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِهِ، وَقَوْلُهُ: هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ فِي غَيْرِهَا: ذُو نَسَبٍ وَاسْتُشْكِلَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ تَضَمَّنَ أَنَّ لَهُ نَسَبًا أَوْ حَسَبًا، وَالْجَوَابَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّنْوِينَ يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ، كَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ كَبِيرٍ أَوْ حَسَبٍ رَفِيعٍ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ: فِي الذِّرْوَةِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَعْلَى مَا فِي الْبَعِيرِ مِنَ السَّنَامِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ مِنْ أَعْلَانَا نَسَبًا. وَفِي حَدِيثِ دِحْيَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ: حَدِّثْنِي عَنْ هَذَا الَّذِي خَرَجَ بِأَرْضِكُمْ مَا هُوَ؟ قَالَ: شَابٌّ. قَالَ: كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ: هُوَ فِي حَسَبِ مَا لَا يَفْضُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ. قَالَ: هَذِهِ آيَةٌ.

قَوْلُهُ: (هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ؟) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: مِنْ آبَائِهِ وَمَلِكٌ هُنَا بِالتَّنْوِينِ، وَهِيَ تُؤَيِّدُ أَنَّ الرِّوَايَةَ السَّابِقَةَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ: مِنْ مَلِكٍ لَيْسَتْ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي.

قَوْلُهُ: (قَالَ: يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟) كَذَا فِيهِ بِإِسْقَاطِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ مَالِكٍ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا، خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالشِّعْرِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: هَلْ يَرْتَدُّ، إِلَخْ) إِنَّمَا لَمْ