للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَادَتِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيُّ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَفَعَهُ: أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ، وَهَذَا يُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ، ولَيْسَ مِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَيْءٍ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أَيِ ابْنِ حَبِيبِ بْنِ عَلْيَاءَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْجَارُودِ الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ الْجَارُودِيُّ نِسْبَةً إِلَى جَدِّهِ الْأَعْلَى، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَآخَرُ فِي كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ، وَأَبُوهُ مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ ذِكْرٌ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَا رَأَيْتُ عَنْهُ رَاوِيًا إِلَّا وَلَدَهُ، وَحَدِيثُهُ هَذَا فِي الْمُتَابَعَاتِ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ أَوْرَدَهُ فِي الِاعْتِصَامِ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ.

(تَنْبِيهٌ):

وَقَعَ فِي كَلَامِ أَبِي عَلِيِّ الْغَسَّانِيِّ فِيمَا حَكَاهُ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدٍ غَيْرَ مَنْسُوبٍ عَنْ مُنْذِرٍ هَذَا وَأَنَّ مُحَمَّدًا الْمَذْكُورَ هُوَ ابْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي عِنْدَنَا مِنَ الْبُخَارِيِّ، وَأَظُنُّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ غَيْرَ مَنْسُوبٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْبُخَارِيُّ الْمُصَنِّفُ، وَالْقَائِلُ ذَلِكَ الرَّاوِي عَنْهُ وَظَنُّوهُ شَيْخًا لِلْبُخَارِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسٍ) فِي رِوَايَةِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ شُعْبَةَ فِي الِاعْتِصَامِ أَخْبَرَنِي مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ.

قَوْلُهُ: (خَطَبَ النَّبِيُّ خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ قَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ) وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، عَنْ شُعْبَةَ فِي أَوَّلِهِ زِيَادَةٌ يَظْهَرُ مِنْهَا سَبَبُ الْخُطْبَةِ وَلَفْظُهُ: بَلَغَ النبي عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ، فَخَطَبَ فَقَالَ: عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، قَالَ فَغَطَّى) فِي رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ قَالَ: فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ، غَطَّوْا رُءُوسَهُمْ.

قَوْلُهُ: (لَهُمْ حَنِينٌ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْأَوَّلُ الصَّوْتُ الَّذِي يَرْتَفِعُ بِالْبُكَاءِ مِنَ الصَّدْرِ، وَالثَّانِي مِنَ الْأَنْفِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْحَنِينُ بُكَاءٌ دُونَ الِانْتِحَابِ، وَقَدْ يَجْعَلُونَ الْحَنِينَ وَالْخَنِينَ وَاحِدًا إِلَّا أَنَّ الْحَنِينَ مِنَ الصَّدْرِ أَيِ الْمُهْمَلَةَ وَالْخَنِينَ مِنَ الْأَنْفِ بِالْمُعْجَمَةِ. وَقَالَ عِيَاضٌ (١).

قَوْلُهُ: (فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: أَبُوكَ فُلَانٌ) تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْعَسْكَرِيِّ نَزَلَتْ فِي قَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الْفِتَنِ خَارِجَةُ بْنُ حُذَافَةَ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَكُلُّهُمْ لَهُ صُحْبَةٌ، وَتَقَدَّمَ فِيهِ أَيْضًا زِيَادَةٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَأَحدث بِشَرْحِهِ عَلَى كِتَابِ الِاعْتِصَامِ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَاقْتَصَرَ هُنَا عَلَى بَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ.

قَوْلُهُ: (فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ) هَكَذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ مَعَ أَنَّهُ أَشْبَعُ سِيَاقًا مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْمَوَاقِيتِ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ. وَوَقَعَ فِي الْفِتَنِ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ أَنْ سَاقَهُ مُطَوَّلًا قَالَ فَكَانَ قَتَادَةُ يَذْكُرُ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ﴾ وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، فَجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لَافٌّ ثَوْبَهُ بِرَأْسِهِ يَبْكِي، الْحَدِيثَ، وَفِيهِ قِصَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ، وَقَوْلُ عُمَرَ رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ غَضْبَانَ، مُحْمَارٌّ وَجْهُهُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: فِي النَّارِ. فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: حُذَافَةُ. فَقَامَ عُمَرُ - فَذَكَرَ كَلَامَهُ وَزَادَ فِيهِ - وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا، قَالَ: فَسَكَنَ غَضَبُهُ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَهَذَا شَاهِدٌ جَيِّدٌ لِحَدِيثِ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ


(١) بياض في الأصل.