للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمَذْكُورِ. وَأَمَّا مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ.

ثُمَّ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كُلِّ عَامٍ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا﴾ فَهَذَا لَا يُنَافِي حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي الْأَمْرَيْنِ، وَلَعَلَّ مُرَاجَعَتَهُمْ لَهُ فِي ذَلِكَ هِيَ سَبَبُ غَضَبِهِ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ نَحْوَ حَدِيثِ عَلَيٍّ هَذَا، وَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَمِنْ آخَرَ مُنْقَطِعٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَاءَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْبَابِ عَقِبَ هَذَا وَهُوَ أَصَحُّ إِسْنَادًا، لَكِنْ لَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ سَبَبَ نُزُولِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَجَاءَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا قَوْلَانِ آخَرَانِ، فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَشْيَاءِ الْبَحِيرَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالسَّائِبَةُ وَالْحَامُ. قَالَ: فَكَانَ عِكْرِمَةُ يَقُولُ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْآيَاتِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ. قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالْآيَاتِ نَحْوُ سُؤَالِ قُرَيْشٍ أَنْ يَجْعَلَ الصَّفَا لَهُمْ ذَهَبًا، وَسُؤَالِ الْيَهُودِ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: نَزَلَتْ فِي الَّذِي سَأَلَ عَنْ أَبِيهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الَّذِينَ سَأَلُوا عَنِ الْبَحِيرَةِ وَغَيْرِهَا، وَعَنْ مِقْسَمٍ فِيمَا سَأَلَ الْأُمَمُ أَنْبِيَاءَهَا عَنِ الْآيَاتِ.

قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَلٌ، وَكَذَا مَا أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ قَالَ نُهُوا أَنْ يَسْأَلُوا مِثْلَ مَا سَأَلَ النَّصَارَى مِنَ الْمَائِدَةِ فَأَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ وَقَدْ رَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَكَأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ; لِوُقُوعِ قِصَّةِ الْمَائِدَةِ فِي السُّورَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاسْتَبْعَدَ نُزُولَهَا فِي قِصَّةِ مَنْ سَأَلَ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَنِ الْحَجِّ كُلَّ عَامٍ، وَهُوَ إِغْفَالٌ مِنْهُ لِمَا فِي الصَّحِيحِ، وَرَجَّحَ ابْنُ الْمُنِيرِ نُزُولَهَا فِي النَّهْيِ عَنْ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ عَمَّا كَانَ وَعَمَّا لَمْ يَكُنْ، وَاسْتَنَدَ إِلَى كَثِيرٍ مِمَّا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ، لَكِنْ لَا مَانِعَ أَنْ تَتَعَدَّدَ الْأَسْبَابُ، وَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ. وَفِي الْحَدِيثِ إِيثَارُ السَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَرَاهَةُ التَّشْدِيدِ عَلَيْهِمْ، وَكَرَاهَةُ التَّنْقِيبِ عَمَّا لَمْ يَقَعْ، وَتَكَلُّفُ الْأَجْوِبَةِ لِمَنْ يَقْصِدُ بِذَلِكَ التَّمَرُّنَ عَلَى التَّفَقُّهِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (رَوَاهُ النَّضْرُ) هُوَ ابْنُ شُمَيْلٍ (وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ شُعْبَةَ) أَيْ بِإِسْنَادِهِ، وَرِوَايَةُ النَّضْرِ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ، وَرِوَايَةُ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ وَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ) هُوَ الْبَغْدَادِيُّ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَشَيْءٌ تَقَدَّمَ الصَّلَاةِ، وَأَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ هُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو الْجُوَيْرِيَةِ بِالْجِيمِ مُصَغَّرٌ اسْمُهُ حِطَّانُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ ابْنُ خُفَافٍ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَاءَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَةٌ، ثِقَةٌ مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ وَيَأْتِي فِي الْأَشْرِبَةِ لَهُ ثَالِثٌ.

قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ، سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ سَأَلَهُ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ.

قَوْلُهُ: (كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ اسْتِهْزَاءً) قَدْ تَقَدَّمَ طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْمَسَائِلِ إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ أَوِ الِامْتِحَانِ وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي لَوْ لَمْ يسْأَلْ عَنْهُ لَكَانَ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَفِي أَوَّلِ رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ نُفَيْلٍ، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ: هَلْ تَدْرِي فِيمَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَذَكَرَهُ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الضَّالَّةِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ أَكَلَ الضَّالَّةَ فَهُوَ ضَالٌّ.