عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿شِيَعًا﴾ قَالَ: الْأَهْوَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ جَابِرٍ) وَقَعَ فِي الِاعْتِصَامِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعْتُ جَابِرًا، وَكَذَا لِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
قَوْلُهُ: ﴿عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ) زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو الْكَرِيمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
قَوْلُهُ: (هَذَا أَهْوَنُ أَوْ هَذَا أَيْسَرُ) هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الْكَلَامِ الْأَخِيرِ. وَوَقَعَ فِي الِاعْتِصَامِ هَاتَانِ أَهْوَنُ أَوْ أَيْسَرُ أَيْ خَصْلَةُ الِالْتِبَاسِ وَخَصْلَةُ إِذَاقَةِ بَعْضِهِمْ بَأْسَ بَعْضٍ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُفَسِّرُ بِهِ حَدِيثَ جَابِرٍ، وَلَفْظُهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنْ أُمَّتِي أَرْبَعًا، فَرَفَعَ عَنْهُمْ ثِنْتَيْنِ وَأَبَى أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُمُ اثْنَتَيْنِ: دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُمُ الرَّجْمَ مِنَ السَّمَاءِ وَالْخَسْفَ مِنَ الْأَرْضِ وَأَنْ لَا يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا وَلَا يُذِيقُ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْخَسْفَ وَالرَّجْمَ، وَأَبَى أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُمُ الْأُخْرَيَيْنِ، فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾ وَوَقَعَ أَصَرْحُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ قَالَ: الرَّجْمُ، ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ قَالَ: الْخَسْفُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ شُيُوخِهِ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَذَابِ مِنْ فَوْقُ: الرَّجْمُ، وَمِنْ تَحْتُ: الْخَسْفُ، وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَوْقِ: أَئِمَّةُ السُّوءِ، وَبِالتَّحْتِ: خَدَمُ السُّوءِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْفَوْقِ: حَبْسُ الْمَطَرِ، وَبِالتَّحْتِ: مَنْعُ الثَّمَرَاتِ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَسْفَ وَالرَّجْمَ لَا يَقَعَانِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، رَوَى أَحْمَدُ، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ الْآيَةَ، قَالَ: هُنَّ أَرْبَعٌ، وَكُلُّهُنَّ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، فَمَضَتِ اثْنَتَانِ بَعْدَ وَفَاةِ نَبِيِّهِمْ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً أُلْبِسُوا شِيَعًا وَذَاقَ بَعْضُهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، وَبَقِيَتِ اثْنَتَانِ وَاقِعَتَانِ لَا مَحَالَةَ الْخَسْفُ وَالرَّجْمُ وَقَدْ أُعِلَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِأَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ لَمْ يُدْرِكْ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ فَكَأَنَّ حَدِيثَهُ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ لَا مَحَالَةَ وَالْبَاقِي مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَأُعِلَّ أَيْضًا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ طَرِيقَ الْجَمْعِ أَنَّ الْإِعَادَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ مُقَيَّدَةٌ بِزَمَانِ مَخْصُوصٍ وَهُوَ وُجُودِ الصَّحَابَةِ وَالْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ وُقُوعِ ذَلِكَ فِيهِمْ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ﴾ إِلَى آخِرِهَا فَقَالَ: أَمَا إِنَّهَا كَائِنَةٌ وَلَمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُخَالِفَ حَدِيثَ جَابِرٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَأْوِيلِهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِتَنِ وَنَحْوَهَا.
وَعِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ من حَدِيثُ صُحَارٍ - بِالْمُهْمَلَتَيْنِ أَوَّلُهُ مَضْمُومٌ مَعَ التَّخْفِيفِ - الْعَبْدِيِّ رَفَعَهُ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةَ حَتَّى يُخْسَفَ بِقَبَائِلِ، الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ ذِكْرُ الْخَسْفِ وَالْمَسْخِ أَيْضًا، وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: يَكُونُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ، وَلِابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ الْغَازِي بْنِ رَبِيعَةَ الْجَرْشِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ: يَكُونُ فِي أُمَّتِي الْخَسْفُ وَالْمَسْخُ وَالْقَذْفُ، الْحَدِيثَ. وَوَرَدَ فِيهِ أَيْضًا عَنْهُ عَنْ عَلِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ (١) وَعَنْ عُثْمَانَ عِنْدَ (١).
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَمْرٍو، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَعَنْ عُبَادَةَ عِنْدَ وَلَدَهُ، وَعَنْ
(١) بياض بالأصل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute