قَوْلُهُ (بَابُ قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ يَلْمِزُونَ: يَعِيبُونَ) سَقَطَ هَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ.
قَوْلُهُ: (جُهْدُهُمْ وَجَهْدُهُمْ: طَاقَتُهُمْ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ﴾ مَضْمُومٌ وَمَفْتُوحٌ سَوَاءٌ وَمَعْنَاهُ طَاقَتُهُمْ، يُقَالُ جُهْدُ الْمُقِلِّ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْجُهْدُ بِالضَّمِّ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَلُغَةُ غَيْرِهِمُ الْفَتْحُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاللِّسَانِ قَالَهُ الطَّبَرِيُّ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِفٌ: قِيلَ بِالْفَتْحِ الْمَشَقَّةُ وَبِالضَّمِّ الطَّاقَةُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ سُلَيْمَانَ) هُوَ الْأَعْمَشُ، وَأَبُو مَسْعُودٍ هُوَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الْبَدْرِيُّ.
قَوْلُهُ: (لَمَّا أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ) تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ بِلَفْظِ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ هُنَاكَ.
قَوْلُهُ: (كُنَّا نَتَحَامَلُ) أَيْ يَحْمِلُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ بِالْأُجْرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ نُحَامِلُ أَيْ نُؤَاجِرُ أَنْفُسَنَا فِي الْحَمْلِ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي ضَبْطِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ تَحَامَلَ فِي الْأَمْرِ أَيْ تَكَلَّفَهُ عَلَى مَشَقَّةٍ وَمِنْهُ تَحَامَلَ عَلَى فُلَانٍ أَيْ كَلَّفَهُ مَا لَا يُطِيقُ.
قَوْلُهُ: (فَجَاءَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ) اسْمُ أَبِي عَقِيلٍ هَذَا وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ حَبْحَابٌ بِمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ مِثْلُهَا، ذَكَرَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالطَّبَرِيُّ، وَابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ الْحَبْحَابُ أَبُو عَقِيلٍ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِتُّ أَجُرُّ الْجَرِيرَ عَلَى صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ، فَأَمَّا صَاعٌ فَأَمْسَكْتُهُ لِأَهْلِي وَأَمَّا صَاعٌ فَهَا هُوَ ذَا، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَغَنِيَّيْنِ عَنْ صَاعِ أَبِي عَقِيلٍ، فَنَزَلَتْ وَهَذَا هُوَ مُرْسَلٌ، وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَارُودِيُّ، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَقِيلٍ عَنْ أَبِيهِ بِهَذَا، وَلَكِنْ لَمْ يُسَمُّوهُ.
وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ رَآهُ بِخَطِّ بَعْضِ الْحُفَّاظِ مَضْبُوطًا بِجِيمَيْنِ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ الْبَلَوِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ بِنْتِ عَدِيٍّ أَنَّ أُمَّهَا عُمَيْرَةَ بِنْتَ سَهْلِ بْنِ رَافِعٍ صَاحِبِ الصَّاعِ الَّذِي لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ خَرَجَ بِزَكَاتِهِ صَاعِ تَمْرٍ وَبِابْنَتِهِ عُمَيْرَةَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَدَعَا لَهُمَا بِالْبَرَكَةِ، وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ أَنَّ سَهْلَ بْنَ رَافِعٍ هُوَ صَاحِبُ الصَّاعِ الَّذِي لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ، وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ﴾ هُوَ رِفَاعَةُ بْنُ سَهْلٍ، وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ رِفَاعَةُ بْنُ سَعْدٍ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَصْحِيفًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ أَبِي عَقِيلٍ سَهْل وَلَقَبُهُ حَبْحَابٌ، أَوْ هُمَا اثْنَانِ. وَفِي الصَّحَابَةِ أَبُو عَقِيلِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْبَلَوِيِّ بَدْرِيٌّ لَمْ يُسَمِّهِ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَلَا ابْنُ إِسْحَاقَ وَسَمَّاهُ الْوَاقِدِيُّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ: وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ، وَكَلَامُ الطَّبَرِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ صَاحِبُ الصَّاعِ عِنْدَهُ وَتَبِعَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقِيلَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمْحَانَ (١) وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ قَالَ: وَجَاءَ رَجُلٌ يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ، فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ. وَهُوَ صَاحِبُ الصَّاعِ الَّذِي لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ، وَاسْمُ أَبِي خَيْثَمَةَ هَذَا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَيْثَمَةَ مِنْ بَنِي سَالِمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدُ مَنْ جَاءَ بِالصَّاعِ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ فِيهَا أَنَّهُ جَاءَ بِصَاعٍ، وَكَذَا وَقَعَ فِي الزَّكَاةِ فَجَاءَ رَجُلُ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ فَجَاءَ أَبُو عَقِيلَةَ بِنِصْفِ صَاعٍ وَجَزَمَ الْوَاقِدِيُّ بِأَنَّ الَّذِي جَاءَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ هُوَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ الْعَجْلَانِيُّ، وَالَّذِي جَاءَ بِالصَّاعِ هُوَ عُلَيَّةُ بْنُ زَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، وَسُمِّيَ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ هَذَا مِرَاءٌ وَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا: مُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَبْتَلٍ، وَأَوْرَدَهُ الْخَطِيبُ فِي الْمُبْهَمَاتِ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَبْتَلٍ وَهُوَ بِنُونٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ ثُمَّ لَامٍ بِوَزْنِ
(١) في هامش طبعة بولاق: كذا في بعض النسخ، وفي بعضها "سحان" بغير ميم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute