فَفِي حَقِّ يُوسُفَ ﵇ ظَاهِرٌ وَلِهَذَا جَاءَ بَعْدَهُ ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ وَفِي حَقِّ مُوسَى ﵇ لَعَلَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَبُلُوغِ الْأَرْبَعِينَ وَلِهَذَا جَاءَ بَعْدَهُ ﴿وَاسْتَوَى﴾ وَوَقَعَ فِي قَوْلِهِ ﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعِينَ لَيْسَتْ حَدًّا لِذَلِكَ. وَأَمَّا الْمُتَّكَأُ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَعْتَدَتْ أَفْعَلَتْ مِنَ الْعَتَادِ وَمَعْنَاهُ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً أَيْ نُمْرُقًا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ، وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ التُّرُنْجُ وَهَذَا أَبْطَلُ بَاطِلٍ فِي الْأَرْضِ، وَلَكِنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُتَّكَأِ تُرُنْجٌ يَأْكُلُونَهُ، وَيُقَالُ أَلْقَى لَهُ مُتَّكَأً يَجْلِسُ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْأُتْرُجُّ يُرِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَفْسِيرُ الْمُتَّكَأِ بِالْأُتْرُجِّ، قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَفِي الْأُتْرُجِّ ثَلَاثُ لُغَاتٍ ثَانِيهَا بِالنُّونِ وَثَالِثُهَا مِثْلُهَا بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَفِي الْمُفْرَدِ كَذَلِكَ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ الْبِطِّيخَ وَالْمَوْزَ، وَقِيلَ كَانَ مَعَ الْأُتْرُجِّ عَسَلٌ، وَقِيلَ كَانَ لِلطَّعَامِ الْمَذْكُورِ بَزْمَاوَرْدُ، لَكِنْ مَا نَفَاهُ الْمُؤَلِّفُ ﵀ تَبَعًا لِأَبِي عُبَيْدَةَ قَدْ أَثْبَتَهُ غَيْرُهُ. قَدْ رَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَوْفِ الْأَعْرَابِيِّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهَا مُتْكًا مُخَفَّفَةً وَيُقَالُ هُوَ الْأُتْرُجُّ، وَقَدْ حَكَاهَا الْفَرَّاءُ وَتَبِعَهُ الْأَخْفَشُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ، وَالْقَالِيُّ، وَابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُمْ كَصَاحِبِ الْمُحْكَمِ وَالْجَامِعِ وَالصِّحَاحِ، وَفِي الْجَامِعِ أَيْضًا: أَهْلُ عُمَانِ يُسَمُّونَ السَّوْسَنَ الْمُتَّكَأَ، وَقِيلَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ الْأُتْرُجُّ وَبِفَتْحِهِ السَّوْسَنُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمُتَّكَأُ مَا تُبْقِيهِ الْخَاتِنَةُ بَعْدَ الْخِتَانِ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَتْكَاءُ الَّتِي لَمْ تُخْتَنْ، وَعَنِ الْأَخْفَشِ الْمُتَّكَأُ الْأُتْرُجُّ.
(تَنْبِيهٌ):
مُتْكًا بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَبِالتَّنْوِينِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ هُوَ الَّذِي فَسَّرَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ بِالْأُتْرُجِّ أَوْ غَيْرِهِ وَهِيَ قِرَاءَةٌ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ فَهُوَ مَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ مِنْ وِسَادَةٍ وَغَيْرِهَا كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْأَكَابِرِ عِنْدَ الضِّيَافَةِ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ لَا يَكُونُ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ تَعَارُضٌ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَنْ قَرَأَهَا مُثَقَّلَةً قَالَ الطَّعَامُ، وَمَنْ قَرَأَهَا مُخَفَّفَةً قَالَ الْأُتْرُجُّ، ثُمَّ لَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَّكَأُ مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْأُتْرُجِّ وَطَرَفِ الْبَظْرِ، وَالْبَظْرُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الظَّاءِ الْمُشَالَةُ مَوْضِعُ الْخِتَانِ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَقِيلَ الْبَظْرَاءُ الَّتِي لَا تَحْبِسُ بَوْلَهَا. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: أَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ الْمُتَّكَأَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الِاتِّكَاءِ، وَلَيْسَ هُوَ مُتَّكَأٌ بِمَعْنَى الْأُتْرُجُّ وَلَا بِمَعْنَى طَرَفِ الْبَظْرِ، فَجَاءَ فِيهَا بِعِبَارَاتٍ مُعَجْرَفَةٍ. كَذَا قَالَ فَوَقَعَ فِي أَشَدَّ مِمَّا أَنْكَرَهُ فَإِنَّهَا إِسَاءَةٌ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي لَا يَلِيقُ لِمَنْ يَتَصَدَّى لِشَرْحِ كَلَامِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْبَظْرَ فِي الْأَصْلِ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَهُ طَرَفٌ مِنَ الْجَسَدِ كَالثَّدْيِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ قَتَادَةُ ﴿لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ﴾ عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْهُ بِهَذَا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ﴿صُوَاعَ الْمَلِكِ﴾ مَكُّوكُ الْفَارِسِيِّ الَّذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ الْأَعَاجِمُ بِهِ) وَصَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي غَرَائِبِ شُعْبَةَ وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿صُوَاعَ الْمَلِكِ﴾ قَالَ: كَانَ كَهَيْئَةِ الْمَكُّوكِ مِنْ فِضَّةِ يَشْرَبُونَ فِيهِ، وَقَدْ كَانَ لِلْعَبَّاسِ مِثْلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَالْمَكُّوكُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَافَيْنِ الْأُولَى مَضْمُومَةٌ ثَقِيلَةٌ بَيْنَهُمَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ هُوَ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ.
قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ ﴿صُوَاعَ﴾، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَرَأَ صَاعَ الْمَلِكِ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ وَصَوْعَ الْمَلِكِ بِسُكُونِ الْوَاوِ، وَعَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ مِثْلَهُ لَكِنْ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ حَكَاهَا الطَّبَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿تُفَنِّدُونِ﴾ تُجَهِّلُونُ) وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَوْلا أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute