وَجَدُوا. وَفِي قَوْلِهِ: (أَلْفَى) أَيْ وَجَدَ.
قَوْلُهُ: (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ﴾ هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْطُوفًا عَلَى الْإِسْنَادِ الَّذِي قَبْلَهُ وَصَلَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا، وَقَدْ أَشْكَلَتْ مُنَاسَبَةُ إِيرَادِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنَّهَا مِنْ سُورَةِ وَالصَّافَّاتِ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ مَعْنَاهَا شَيْءٌ. لَكِنْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَبْطَئُوا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ. الْحَدِيثَ.
وَلَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَتُهُ أَيْضًا لِلتَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِهِ ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ وَقَدْ تَكَلَّفَ لَهَا أَبُو الْإِصْبَعِ عِيسَى بْنُ سَهْلٍ فِي شَرْحِهِ فِيمَا نَقَلْتُهُ مِنْ رِحْلَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَشِيدٍ عَنْهُ مَا مُلَخَّصُهُ: تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ بَابُ قَوْلِهِ ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ وَأَدْخَلَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَبْطَئُوا الْحَدِيثَ وَأَوْرَدَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي التَّرْجَمَةِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ﴾ قَالَ فَانْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ الْفَائِدَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ﴾ قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مُنَاسَبَةَ التَّبْوِيبِ الْمَذْكُورَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ شَبَّهَ مَا عَرَضَ لِيُوسُفَ ﵇ مَعَ إِخْوَتِهِ وَمَعَ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ بِمَا عَرَضَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ مَعَ قَوْمِهِ حِينَ أَخْرَجُوهُ مِنْ وَطَنِهِ كَمَا أَخْرَجَ يُوسُفَ إِخْوَتُهُ وَبَاعُوهُ لِمَنِ اسْتَعْبَدَهُ فَلَمْ يُعَنِّفِ النَّبِيُّ ﷺ قَوْمَهُ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ كَمَا لَمْ يُعَنِّفْ يُوسُفُ إِخْوَتَهُ حِينَ قَالُوا لَهُ ﴿تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾ وَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ بِالْمَطَرِ لَمَّا سَأَلَهُ أَبُو سُفْيَانَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ كَمَا دَعَا يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ لَمَّا جَاءُوهُ نَادِمِينَ فَقَالَ: ﴿لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ قَالَ: فَمَعْنَى الْآيَةِ بَلْ عَجِبْتَ مِنْ حِلْمِي عَنْهُمْ مَعَ سُخْرِيَتِهِمْ بِكَ وَتَمَادِيهِمْ عَلَى غَيِّهِمْ، وَعَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِالضَّمِّ بَلْ عَجِبْتُ مِنْ حِلْمِكَ عَنْ قَوْمِكِ إِذْ أَتَوْكَ مُتَوَسِّلِينَ
بِكَ فَدَعَوْتَ فَكُشِفَ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ كَحِلْمِ يُوسُفَ عَنْ إِخْوَتِهِ إِذْ أَتَوْهُ مُحْتَاجِينَ، وَكَحِلْمِهِ عَنْ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ حَيْثُ أَغْرَتْ بِهِ سَيِّدَهَا وَكَذَبَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ سَجَنَتْهُ ثُمَّ عَفَا عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُؤَاخِذْهَا. قَالَ: فَظَهَرَ تَنَاسُبُ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى مَعَ بُعْدِ الظَّاهِرِ بَيْنَهُمَا. قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي كِتَابِهِ - مِمَّا عَابَهُ بِهِ مَنْ لَمْ يَفْتَحِ اللَّهُ عَلَيْهِ - وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. وَمِنْ تَمَامِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: تَظْهَرُ الْمُنَاسَبَةُ أَيْضًا بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الصَّافَّاتِ: ﴿وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ﴾ فَإِنَّ فِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى تَمَادِيهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَغَيِّهِمْ، وَمِنْ قَوْلِهِ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ﴾ وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ وَعَنِ بْنِ مَسْعُودٍ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ قِرَاءَةَ (عَجِبْتُ) بِالضَّمِّ وَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَبُ وَإِنَّمَا يَعْجَبُ مَنْ لَا يَعْلَمُ، قَالَ فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَقَالَ: إِنَّ شُرَيْحًا كَانَ مُعْجَبًا بِرَأْيِهِ، وَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقْرَؤُهَا بِالضَّمِّ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الصَّافَّاتِ هُنَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ يَقْرَؤُهَا بِالضَّمِّ كَمَا يَقْرَأُ هِيتُ بِالضَّمِّ انْتَهَى. وَهِيَ مُنَاسَبَةٌ لَا بَأْسَ بِهَا إِلَّا أَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ سَهْلٍ أَدَقُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَرَأَ بِالضَّمِّ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَهُوَ ضَمِيرُ الرَّسُولِ، وَبِهِ صَرَّحَ قَتَادَةُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلَّ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ، وَأَمَّا الضَّمُّ فَحِكَايَةُ شُرَيْحٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ لِإِنْكَارِهِ مَعْنًى لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ ﷾. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفًا لِلسَّامِعِ أَيْ قُلْ ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ﴾ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَدْ أَقَرَّهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَجَزَمَ بِذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ: بَلْ عَجِبْتَ اللَّهُ عَجِبَ، وَمِنْ طَرِيقِ أُخْرَى عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ ﴿بَلْ عَجِبْتَ﴾ بِالرَّفْعِ وَيَقُولُ نَظِيرُهَا ﴿وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute