للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بَيْنَهُمَا أَنَّهَا سَمِعَتْ ذَلِكَ أَوَّلًا مِنْ أُمِّ مِسْطَحٍ. ثُمَّ ذَهَبَتْ لِبَيْتِ أُمِّهَا لِتَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْهَا فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّهَا بِالْأَمْرِ مُجْمَلًا كَمَا مَضَى مِنْ قَوْلِهَا: هَوِّنِي عَلَيْكِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، ثُمَّ دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْأَنْصَارِيَّةُ فَأَخْبَرَتْهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ أُمِّهَا، فَقَوِيَ عِنْدَهَا الْقَطْعُ بِوُقُوعِ ذَلِكَ، فَسَأَلَتْ: هَلْ سَمِعَهُ أَبُوهَا وَزَوْجُهَا؟ تَرَجِّيًا مِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَا سَمِعَا ذَلِكَ لِيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا قَالَتْ لَهَا إِنَّهُمَا سَمِعَاهُ غُشِيَ عَلَيْهَا. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْأَنْصَارِيَّةِ وَلَا عَلَى اسْمِ وَلَدِهَا.

قَوْلُهُ: (فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ عَلِيَّ) هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ بَعْدَمَا عَلِمَتْ بِالْقِصَّةِ لِأَنَّهَا عَقَّبَتْ بُكَاءَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِهَذَا ثُمَّ عَقَّبَتْ هَذَا بِالْخُطْبَةِ، وَرِوَايَةُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ تُشْعِرُ بِأَنَّ السُّؤَالَ وَالْخُطْبَةَ وَقَعَا قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ عَائِشَةُ بِالْأَمْرِ، فَإِنَّ فِي أَوَّلِ رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ خَطِيبًا، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْخُطْبَةِ الْآتِيَةِ ; وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ: فَدَعَا عَاطِفَةٌ عَلَى شَيْءٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ سَمِعَ مَا قِيلَ فَدَعَا عَلِيَّ.

قَوْلُهُ: (عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَشِيرَ أَحَدًا فِي أَمْرِ أَهْلِهِ لَمْ يَعُدَّ عَلِيًّا، وَأُسَامَةَ، لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْعَرَبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ اسْتَشَارَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ: دَعْهَا، فَلَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ لَكَ فِيهَا أَمْرًا، وَأَظُنُّ فِي قَوْلِهِ: ابْنَ ثَابِتٍ تَغْيِيرٌ وَأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ ابْنَ حَارِثَةَ، وَفِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ أَيْمَنَ فَبَرَّأَتْهَا، وَأُمُّ أَيْمَنَ هِيَ وَالِدَةُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ) بِالرَّفْعِ أَيْ طَالَ لَبِثَ نُزُولَهُ، وَبِالنَّصْبِ أَيِ اسْتَبْطَأَ النَّبِيُّ نُزُولَهُ.

قَوْلُهُ: (فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ) عَدَلَتْ عَنْ قَوْلِهَا فِي فِرَاقِي إِلَى قَوْلِهَا: فِرَاقِ أَهْلِهِ، لِكَرَاهَتِهَا التَّصْرِيحُ بِإِضَافَةِ الْفِرَاقِ إِلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (أَهْلُكَ) بِالرَّفْعِ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: هُمْ أَهْلُكَ، وَلَوْ لَمْ تَقَعْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَجَازَ النَّصْبُ أَيْ أَمْسِكْ، وَمَعْنَاهُ: هُمْ أَهْلُكُ أَيِ الْعَفِيفَةُ اللَّائِقَةُ بِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ مُتَبَرِّئًا مِنَ الْمَشُورَةِ وَوَكَّلَ الْأَمْرَ إِلَى رَأْيِ النَّبِيِّ ، ثُمَّ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ حَتَّى أَخْبَرَ بِمَا عِنْدَهُ فَقَالَ: وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، وَإِطْلَاقُ الْأَهْلِ عَلَى الزَّوْجَةِ شَائِعٌ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: أَطْلَقَ عَلَيْهَا أَهْلًا وَذَكَرَهَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ حَيْثُ قَالَ: هُمْ أَهْلُكَ إِشَارَةً إِلَى تَعْمِيمِ الْأَزْوَاجِ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ لِإِرَادَةِ تَعْظِيمِهَا.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ) كَذَا لِلْجَمِيعِ بِصِيغَةِ التَّذْكِيرِ كَأَنَّهُ أَرَادَ الْجِنْسَ، مَعَ أَنَّ لَفْظَ فَعِيلٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ إِفْرَادًا وَجَمْعًا. وَفِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ: قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ وَأَطَابَ، طَلِّقْهَا وَانْكِحْ غَيْرَهَا، وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ عَلِيٌّ حَمَلَهُ عَلَيْهِ تَرْجِيحُ جَانِبِ النَّبِيِّ لِمَا رَأَى عِنْدَهُ مِنَ الْقَلَقِ وَالْغَمِّ بِسَبَبِ الْقَوْلِ الَّذِي قِيلَ، وَكَانَ شَدِيدَ الْغَيْرَةِ، فَرَأَى عَلِيٌّ أَنَّهُ إِذَا فَارَقَهَا سَكَنَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْقَلَقِ بِسَبَبِهَا إِلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ بَرَاءَتُهَا فَيُمْكِنُ رَجْعَتُهَا، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ لِذَهَابِ أَشَدِّهِمَا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: رَأَى عَلِيٌّ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَصْلَحَةُ فِي حَقِّ النَّبِيِّ وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنِ انْزِعَاجِهِ، فَبَذَلَ جَهْدَهُ فِي النَّصِيحَةِ لِإِرَادَةِ رَاحَةِ خَاطِرِهِ . وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ: لَمْ يَجْزِمْ عَلِيٌّ بِالْإِشَارَةِ بِفِرَاقِهَا لِأَنَّهُ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، فَفَوَّضَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى نَظَرِ النَّبِيِّ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ أَرَدْتَ تَعْجِيلَ الرَّاحَةِ فَفَارِقْهَا، وَإِنْ أَرَدْتَ خِلَافَ ذَلِكَ فَابْحَثْ عَنْ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ إِلَى أَنْ تَطَّلِعَ عَلَى بَرَاءَتِهَا. لِأَنَّهُ كَانَ يَتَحَقَّقُ أَنَّ بَرِيرَةَ لَا تُخْبِرُهُ إِلَّا بِمَا عَلِمَتْهُ، وَهِيَ لَمْ تَعْلَمْ مِنْ عَائِشَةَ إِلَّا الْبَرَاءَةَ الْمَحْضَةَ.

وَالْعِلَّةُ فِي اخْتِصَاصِ عَلِيٍّ، وَأُسَامَةَ بِالْمُشَاوَرَةِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ عِنْدَهُ كَالْوَلَدِ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ مِنْ حَالِ صِغَرِهِ ثُمَّ لَمْ يُفَارِقْهُ، بَلْ وَازْدَادَ اتِّصَالُهُ بِتَزْوِيجِ فَاطِمَةُ، فَلِذَلِكَ كَانَ مَخْصُوصًا بِالْمُشَاوَرَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَهْلِهِ لِمَزِيدِ اطِّلَاعِهِ عَلَى أَحْوَالِهِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ ; وَكَانَ أَهْلُ