(فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ) فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْمُعَلَّقَةِ فَقُلْتُ: أَرْسَلَنِي إِلَى بَيْتِ أَبِي، فَأَرْسَلَ مَعِي الْغُلَامَ وَسَيَأْتِي نَحْوَهُ مَوْصُولًا فِي الِاعْتِصَامِ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا الْغُلَامِ.
قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ) فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: فَقَالَتْ يَا بُنَيَّةُ خَفِّفِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ.
قَوْلُهُ: (وَضِيئَةٌ) بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ، مِنَ الْوَضَاءَةِ أَيْ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَاهَانَ: حَظِيَّةٌ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ مِنَ الْحَظْوَةِ أَيْ رَفِيعَةِ الْمَنْزِلَةِ، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ: مَا كَانَتِ امْرَأَةً حَسْنَاءَ.
قَوْلُهُ: (ضَرَائِرُ) جَمْعُ ضَرَّةٍ، وَقِيلَ لِلزَّوْجَاتِ: ضَرَائِرُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ يَحْصُلُ لَهَا الضَّرَرُ مِنَ الْأُخْرَى بِالْغَيْرَةِ.
قَوْلُهُ: (أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: كَثَّرْنَ بِالتَّشْدِيدِ، أَيِ الْقَوْلَ فِي عَيْبِهَا، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حَاطِبٍ: لَقَلَّمَا أَحَبَّ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ إِلَّا قَالُوا لَهَا نَحْوَ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ: إِلَّا حَسَدْنَهَا وَقِيلَ فِيهَا وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ فِطْنَةِ أُمِّهَا وَحُسْنِ تَأَتِّيهَا فِي تَرْبِيَتِهَا مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا عَلِمَتْ أَنَّ ذَلِكَ يَعْظُمُ عَلَيْهَا فَهَوَّنَتْ عَلَيْهَا الْأَمْرَ بِإِعْلَامِهَا بِأَنَّهَا لَمْ تَنْفَرِدْ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَرْءَ يَتَأَسَّى بِغَيْرِهِ فِيمَا يَقَعُ لَهُ، وَأَدْمَجَتْ فِي ذَلِكَ مَا تُطَيِّبُ بِهِ خَاطِرَهَا مِنْ أَنَّهَا فَائِقَةٌ فِي الْجَمَالِ وَالْحَظْوَةِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُعْجِبُ الْمَرْأَةُ أَنْ تُوصَفَ بِهِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى مَا وَقَعَ مِنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَأَنَّ الْحَامِلَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ كَوْنُ عَائِشَةُ ضَرَّةَ أُخْتِهَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْلِهَا إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا مُتَّصِلٌ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْصِدُ قِصَّتَهَا بِعَيْنِهَا بَلْ ذَكَرَتْ شَأْنَ الضَّرَائِرِ، وَأَمَّا ضَرَائِرُهَا هِيَ فَإِنَّهُنَّ وَإِنْ كُنَّ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُنَّ فِي حَقِّهَا شَيْءٌ مِمَّا يَصْدُرُ مِنَ الضَّرَائِرِ لَكِنْ لَمْ يُعْدَمُ ذَلِكَ مِمَّنْ هُوَ مِنْهُنَّ بِسَبِيلٍ كَمَا وَقَعَ مِنْ حَمْنَةَ لِأَنَّ وَرَعَ أُخْتِهَا مَنَعَهَا مِنَ الْقَوْلِ فِي عَائِشَةَ كَمَا مَنَعَ بَقِيَّةَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ زَيْنَبُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا الَّتِي كَانَتْ تُضَاهِي عَائِشَةَ فِي الْمَنْزِلَةِ.
قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوْ لَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا)؟ زَادَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: وَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ: فَقُلْتُ: وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَرَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: فَقُلْتُ لِأُمِّي غَفَرَ اللَّهُ لَكِ، يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهَذَا وَلَا تَذْكُرِينَ لِي. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ: وَرَجَعْتُ إِلَى أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ: أَمَا اتَّقَيْتُمَا اللَّهَ فِيَّ، وَمَا وَصَلْتُمَا رَحِمِي، يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهَذَا وَلَمْ تُعْلِمَانِي؟ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: فَاسْتَعْبَرْتُ فَبَكَيْتُ، فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي وَهُوَ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ، فَقَالَ لِأُمِّي: مَا شَأْنُهَا؟ فَقَالَتْ: بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ شَأْنِهَا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ يَا بُنَيَّةُ إِلَّا رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ، فَرَجَعَتْ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: فَقَالَتْ أُمِّي: لَمْ تَكُنْ عَلِمْتُ مَا قِيلَ لَهَا، فَأَكَبَّتْ تَبْكِي سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: اسْكُتِي يَا بُنَيَّةُ.
قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ) اسْتَغَاثَتْ بِاللَّهِ مُتَعَجِّبَةً مِنْ وُقُوعِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي حَقِّهَا مَعَ بَرَاءَتِهَا الْمُحَقَّقَةِ عِنْدَهَا.
قَوْلُهُ: (لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ) بِالْقَافِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ، أَيْ: لَا يَنْقَطِعُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ) اسْتِعَارَةٌ لِلسَّهَرِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ عَنْ أُمِّ رُومَانَ كَمَا مَضَى فِي الْمَغَازِي: فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، فَمَا اسْتَفَاقَتْ إِلَّا وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ، فَطَرَحْتُ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا فَغَطَّيْتُهَا، وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ: فَأَلْقَتْ عَلَيَّ أُمِّي كُلَّ ثَوْبٍ فِي الْبَيْتِ.
(تَنْبِيهٌ): طُرُقُ حَدِيثِ الْإِفْكِ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ بَلَغَهَا الْخَبَرَ مِنْ أُمِّ مِسْطَحٍ، لَكِنْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أُمِّ رُومَانَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ: بَيْنَا أَنَا قَاعِدَةٌ أَنَا وَعَائِشَةُ إِذْ وَلَجَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ: فَعَلَ اللَّهُ بِفُلَانٍ وَفَعَلَ، فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتِ: ابْنِي وَمَنْ حَدَّثَ الْحَدِيثَ.
قَالَتْ: وَمَا ذَلِكَ؟ قَالَتْ: كَذَا وَكَذَا، هَذَا لَفْظُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَغَازِي، وَلَفْظُهُ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ: قَالَتْ: إِنَّهُ نَمَّى الْحَدِيثَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَيُّ حَدِيثٍ؟ فَأَخْبَرَتْهَا، قَالَتْ: فَسَمِعَهُ أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَتْ: وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، وَطَرِيقُ الْجَمْعِ