بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ لُغَةٌ، وَمَعْنَاهُ: عَابُوا أَهْلِي أَوِ اتَّهَمُوا أَهْلِي، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ الْأَبَنَ بِفَتْحَتَيْنِ التُّهْمَةُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الْمُرَادُ: رَمَوْا أهلي بِالْقَبِيحِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي الشَّمَائِلِ فِي ذِكْرِ مَجْلِسِهِ ﷺ لَا تُؤَبَّنَ فِيهِ الْحُرَمُ، وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدُوسٍ بِتَقْدِيمِ النُّونِ الثَّقِيلَةِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ، قَالَ: وَهُوَ تَصْحِيفٌ؛ لِأَنَّ التَّأْنِيبَ هُوَ اللَّوْمُ الشَّدِيدُ، وَلَا مَعْنَى لَهُ هُنَا، انْتَهَى. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَامُوهُمْ أَشَدُّ اللَّوْمِ فِيمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ صَنَعُوهُ وَهُمْ لَمْ يَصْنَعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ صُورَةِ الْحَالِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: التَّخْفِيفُ أَشْهَرُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: مَا بَالُ أُنَاسٌ يُؤْذُونِي فِي أَهْلِي، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حَاطِبٍ: مَنْ يَعْذُرُنِي فِيمَنْ يُؤْذِينِي فِي أَهْلِي، وَيَجْمَعُ فِي بَيْتِهِ مَنْ يُؤْذِينِي، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْغَسَّانِيِّ الْمَذْكُورَةِ: فِي قَوْمٍ يَسُبُّونَ أَهْلِي، وَزَادَ فِيهِ: مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُوءٍ قَطُّ.
قَوْلُهُ: (وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا) زَادَ الطَّبَرِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: صَالِحًا، وَزَادَ أَبُو أُوَيْسٍ فِي رِوَايَتِهِ: وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ قَعَدَ لِحَسَّانٍ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَهُوَ يَقُولُ:
تَلَقَّ ذُبَابَ السَّيْفِ مِنِّي فَإِنَّنِي … غُلَامٌ إِذَا هُوجِئْتُ لَسْتُ بِشَاعِرٍ
فَصَاحَ حَسَّانُ، فَفَرَّ صَفْوَانُ، فَاسْتَوْهَبَ النَّبِيَّ ﷺ مِنْ حَسَّانَ ضَرْبَةَ صَفْوَانَ فَوَهَبَهَا لَهُ.
قَوْلُهُ: (فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ) كَذَا هُنَا، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ: فَقَامَ سَعْدٌ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ: فَقَامَ سَعْدٌ وَلَمْ يَنْسُبْهُ، وَقَدْ تَعَيَّنَ أَنَّهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ؛ لِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا قَوْلُ شَيْخِ شُيُوخِنَا الْقُطْبُ الْحَلَبِيُّ: وَقَعَ فِي نُسْخَةِ سَمَاعِنَا: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: فَقَامَ سَعْدُ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ آخَرَ غَيْرَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَإِنَّ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يُسَمَّى كُلٌّ مِنْهُمْ سَعْدًا، مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيُّ شَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ عَلَى سَبَايَا قُرَيْظَةَ الَّذِينَ بِيعُوا بِنَجْدٍ، وَلَهُ ذِكْرٌ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ مِنْهَا فِي خُطْبَةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي مَرَضِ وَفَاتِهِ، قَالَ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ.
قُلْتُ: وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الْإِشْكَالِ فِي ذِكْرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَالَّذِي جَوَّزَهُ مَرْدُودٌ بِالتَّصْرِيحِ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ، فَأَذْكُرُ كَلَامَ عِيَاضٍ وَمَا تَيَسَّرَ مِنَ الْجَوَابِ عَنْهُ، قَالَ عِيَاضٌ: فِي ذِكْرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشْكَالٌ لَمْ يَتَكَلَّمِ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَنَبَّهَنَا عَلَيْهِ بَعْضُ شُيُوخِنَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِفْكَ كَانَ فِي الْمُرَيْسِيعِ وَكَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ ; وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مَاتَ مِنَ الرَّمْيَةِ الَّتِي رُمِيَهَا بِالْخَنْدَقِ فَدَعَا اللَّهُ فَأَبْقَاهُ حَتَّى حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ثُمَّ انْفَجَرَ جُرْحُهُ فَمَاتَ مِنْهَا، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ إِلَّا مَا زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ، قَالَ: وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا يَصِحُّ ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ، وَجَعَلَ الْمُرَاجَعَةَ أَوَّلًا وَثَانِيًا بَيْنَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، قَالَ: وَقَالَ لِي بَعْضُ شُيُوخِنَا: يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ سَعْدُ مَوْجُودًا فِي الْمُرَيْسِيعِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَارِيخِ غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ، وَقَدْ حَكَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهَا كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَكَذَلِكَ الْخَنْدَقُ كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ، فَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْمُرَيْسِيعُ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ جَزَمَ بِأَنَّ الْمُرَيْسِيعَ كَانَتْ فِي شَعْبَانَ وَأَنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ، فَإِنْ كَانَا مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ اسْتَقَامَ أَنْ تَكُونَ الْمُرَيْسِيعُ قَبْلَ الْخَنْدَقِ، فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَشْهَدَهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ انْتَهَى.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْمَغَازِي أَنَّ الصَّحِيحَ فِي النَّقْلِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ الْمُرَيْسِيعَ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ، وَأَنَّ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَنَّهَا سَنَةُ أَرْبَعٍ سَبْقَ قَلَمٍ، نَعَمْ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْخَنْدَقَ أَيْضًا كَانَتْ فِي سَنَةِ خَمْسٍ خِلَافًا لِابْنِ إِسْحَاقَ فَيَصِحُّ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ. وَمِمَّنْ جَزَمَ بِأَنَّ الْمُرَيْسِيعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute