سَنَةَ خَمْسٍ الطَّبَرِيُّ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ أَصْلًا، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُوَ الْمُرَيْسِيعُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِهِ فِي الْمَغَازِي، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا أَنَّهُ عُرِضَ فِي يَوْمِ أُحُدٍ فَلَمْ يُجِزْهُ النَّبِيُّ ﷺ وَعُرِضَ فِي الْخَنْدَقِ فَأَجَازَهُ، فَإِذَا كَانَ أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ الْخَنْدَقَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ شَهِدَ الْمُرَيْسِيعَ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْمُرَيْسِيعُ بَعْدَ الْخَنْدَقِ فَيَعُودُ الْإِشْكَالُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ مَعَهُمْ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَنْ يَكُونَ أُجِيزَ فِي الْقِتَالِ؛ فَقَدْ يَكُونُ صَحِبَ أَبَاهُ وَلَمْ يُبَاشِرِ الْقِتَالَ كَمَا ثَبَتَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَحُ الْمَاءَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا بِاتِّفَاقٍ.
وَقَدْ سَلَكَ الْبَيْهَقِيُّ فِي أَصْلِ الْإِشْكَالِ جَوَابًا آخَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَنْدَقَ قَبْلَ الْمُرَيْسِيعِ فَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُرْحُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لَمْ يَنْفَجِرْ عَقِبَ الْفَرَاغِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، بَلْ تَأَخَّرَ زَمَانًا ثُمَّ انْفَجَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَكُونُ مُرَاجَعَتُهُ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَشْهَدْ غَزْوَةَ الْمُرَيْسِيعِ لِمَرَضِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَانِعًا لَهُ أَنْ يُجِيبَ النَّبِيَّ ﷺ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ بِمَا أَجَابَهُ، وَأَمَّا دَعْوَى عِيَاضٌ أَنَّ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا لَمْ يَتَكَلَّمُوا عَلَى الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ فَمَا أَدْرِي مَنِ الَّذِينَ عَنَاهُمْ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنَ الْقُدَمَاءِ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فَقَالَ: الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْمُرَيْسِيعُ قَبْلَ الْخَنْدَقِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ، وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْخَنْدَقَ قَبْلَ الْمُرَيْسِيعِ، وَتَعَرَّضَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَقَالَ: رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ رَاجَعَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَهَمٌ وَخَطَأٌ، وَإِنَّمَا رَاجَعَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ مَاتَ فِي مُنْصَرَفِهِمْ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يُدْرِكْ الْمُرَيْسِيعَ وَلَا حَضَرَهَا. وَبَالَغَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى عَادَتِهِ فَقَالَ: اتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ ابْنِ مُعَاذٍ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ وَهَمٌ، وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ الْقُرْطُبِيُّ.
قَوْلُهُ: (أَعْذِرُكَ مِنْهُ) فِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ فَقَالَ: أَنَا وَاللَّهِ أَعْذِرُكَ مِنْهُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: أَعْذِرُكَ مِنْهُ بِحَذْفِ الْمُبْتَدَأِ.
قَوْلُهُ: (إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ) يَعْنِي قَبِيلَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.
قَوْلُهُ: (ضَرَبْنَا عُنُقَهُ) فِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ: ضَرَبْتُ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ سَيِّدَهُمْ، فَجَزَمَ بِأَنَّ حُكْمَهُ فِيهِمْ نَافِذٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ) مِنَ الْأُولَى تَبْعِيضِيَّةٌ وَالْأُخْرَى بَيَانِيَّةٌ، وَلِهَذَا سَقَطَتْ مِنْ رِوَايَةِ فُلَيْحٍ.
قَوْلُهُ: (أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَتَيْنَاكَ بِهِ فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ.
قَوْلُهُ: (فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ) فِي رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ بِنْتُ عَمِّهِ مِنْ فَخْذِهِ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ انْتَهَى. وَأُمُّ حَسَّانَ اسْمُهَا الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ خُنَيْسِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدُودِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَقَوْلُهُ: مِنْ فَخْذِهِ، بَعْدَ قَوْلِهِ بِنْتُ عَمِّهِ، إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنْتَ عَمِّهِ لَحًّا، لِأَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ يَجْتَمِعُ مَعَهَا فِي ثَعْلَبَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ سِيَاقُ نَسَبِهِ فِي الْمَنَاقِبِ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا) أَيْ كَامِلُ الصَّلَاحِ، فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ: وَكَانَ صَالِحًا لَكِنَّ الْغَضَبَ بَلَغَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَغْمِصْ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ: احْتَمَلَتْهُ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ ثُمَّ مِيمٍ أَيْ أَغْضَبَتْهُ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَذَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: اجْتَهَلَتْهُ بِجِيمٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ ثُمَّ هَاءٍ وَصَوَّبَهَا الْوَقْشِيُّ، أَيْ حَمَلَتْهُ عَلَى الْجَهْلِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ لِسَعْدٍ) أَيِ ابْنُ مُعَاذٍ (كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ) الْعَمْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الْبَقَاءُ، وَهُوَ الْعُمْرُ بِضَمِّهَا، لَكِنْ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَسَمِ إِلَّا بِالْفَتْحِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكِ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ) (١) فَسَّرَ قَوْلِهِ: لَا تَقْتُلُهُ بِقَوْلِهِ: وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قَوْمَهُ يَمْنَعُونَهُ مِنْ قَتْلِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكِ فَهُوَ مِنْ تَفْسِيرِ
(١) في هامش طبعة بولاق: "ولو كان من رهطك الخ" ليس في نسخ المتن التي بأيدينا.