وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَاب"
قَوْلُهُ: (بَابُ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ﴾ أَلِنْ جَانِبَكَ) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَزَادَ: وَكَلَامَكَ.
قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ هَذَا مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّمَا أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ وَقَعَتْ بِمَكَّةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ حِينَئِذٍ إِمَّا لَمْ يُولَدْ، وَإِمَّا طِفْلًا. وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ نِدَاءُ فَاطِمَةَ؛ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ بِحَيْثُ تُخَاطَبُ بِالْأَحْكَامِ، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي بَابِ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى آبَائِهِ فِي أَوَائِلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ احْتِمَالَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْقِصَّةُ وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ، لَكِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَكْرَارِ النُّزُولِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ حِينَ نَزَلَتْ.
نَعَمْ وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ﴾ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَنِي هَاشِمٍ وَنِسَاءَهُ وَأَهْلَهُ فَقَالَ: يَا بَنِي هَاشِمٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، وَاسْعَوْا فِي فِكَاكِ رِقَابِكُمْ، يَا عَائِشَةُ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، يَا حَفْصَةُ بِنْتَ عُمَرَ، يَا أُمَّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا، فَهَذَا إِنْ ثَبَتَ دَلَّ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، لِأَنَّ الْقِصَّةَ الْأُولَى وَقَعَتْ بِمَكَّةَ لِتَصْرِيحِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ صَعِدَ الصَّفَا، وَلَمْ تَكُنْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ عِنْدَهُ وَمِنْ أَزْوَاجِهِ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُتَأَخِّرَةً عَنِ الْأُولَى فَيُمْكِنُ أَنْ يَحْضُرَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: لَمَّا نَزَلَتْ جَمَعَ أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ، لَا أَنَّ الْجَمْعَ وَقَعَ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ نَزَلَ أَوَّلًا: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ فَجَمَعَ قُرَيْشًا فَعَمَّ ثُمَّ خَصَّ كَمَا سَيَأْتِي، ثُمَّ نَزَلَ ثَانِيًا: وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فَخَصَّ بِذَلِكَ بَنِي هَاشِمٍ وَنِسَاءَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ تَعَقُّبٌ عَلَى النَّوَوِيِّ حَيْثُ قَالَ: فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يُخَرِّجْهَا أَعْنِي. وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَأَغْفَلَ كَوْنَهَا مَوْجُودَةً عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي سُورَةِ تَبَّتْ.
قَوْلُهُ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ زَادَ فِي تَفْسِيرِ تَبَّتْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا السَّنَدِ وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَصَلَهَا الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ، قَالَ: الْقُرْطُبِيُّ: لَعَلَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ كَانَتْ قُرْآنًا فَنُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا. ثُمَّ اسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ إِنْذَارُ الْكُفَّارِ، وَالْمُخْلَصُ صِفَةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، فَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ﴾ عَامٌّ فِيمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ؛ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ الرَّهْطَ الْمُخْلَصِينَ تَنْوِيهًا بِهِمْ وَتَأْكِيدًا، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: يَا فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، أَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَدْخُلُ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ؛ إِذْ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَكَانَ يَتَحَمَّلُ عَنْهَا ﷺ بِمَا يُخَلِّصُهَا، فَإِذَا كَانَ عَمَلُهُ لَا يَقَعُ نِيَابَةً عَنِ ابْنَتِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ يَشْفَعُ فِيمَنْ أَرَادَ وَتُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ، حَتَّى يُدْخِلَ قَوْمًا الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَيَرْفَعَ دَرَجَاتِ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَيُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ دَخَلَهَا بِذُنُوبِهِ، أَوْ كَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ التَّخْوِيفِ وَالتَّحْذِيرِ، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي الْحَضِّ عَلَى الْعَمَلِ، وَيَكُونُ فِي قَوْلِهِ: لَا أُغْنِي شَيْئًا، إِضْمَارُ: إِلَّا إِنْ أَذِنَ اللَّهُ لِي بِالشَّفَاعَةِ.
قَوْلُهُ: (فَجَعَلَ يُنَادِي: يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، وَوَقَعَ عِنْدَ الْبَلَاذُرِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَبْيَنَ مِنْ هَذَا وَلَفْظُهُ: فَقَالَ: يَا بَنِي فِهْرٍ، فَاجْتَمَعُوا. ثُمَّ قَالَ: يَا بَنِي غَالِبٍ، فَرَجَعَ بَنُو مُحَارِبٍ وَالْحَارِثُ ابْنَا فِهْرٍ. فَقَالَ: يَا بَنِي لُؤَيٍّ، فَرَجَعَ بَنُو الْأَدْرَمِ بْنِ غَالِبٍ. فَقَالَ: يَا آلَ كَعْبٍ، فَرَجَعَ بَنُو عَدِيٍّ وَسَهْمٍ وَجُمَحٍ فَقَالَ: يَا آلَ كِلَابٍ، فَرَجَعَ بَنُو مَخْزُومٍ وَتَيْمٍ. فَقَالَ: يَا آلَ قُصَيٍّ، فَرَجَعَ بَنُو زُهْرَةَ. فَقَالَ: يَا آلَ عَبْدِ مَنَافٍ، فَرَجَعَ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ وَعَبْدِ الْعُزَّى. فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: هَؤُلَاءِ بَنُو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute