عَبْدِ مَنَافٍ عِنْدَكَ. وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ قَصَرَ الدَّعْوَةَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَالطَّبَرِيِّ، وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ أَنَّهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ أَرْبَعُونَ يَزِيدُونَ رَجُلًا أَوْ يَنْقُصُونَ، وَفِيهِ عُمُومَتُهُ أَبُو طَالِبٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْعَبَّاسُ، وَأَبُو لَهَبٍ. وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ أَنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ غَيْرَ رَجُلٍ أَوْ أَرْبَعُونَ وَرَجُلٌ. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ مِنَ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ صَنَعَ لَهُمْ شَاةً عَلَى ثَرِيدٍ وَقَعْبِ لَبَنٍ، وَأَنَّ الْجَمِيعَ أَكَلُوا مِنْ ذَلِكَ وَشَرِبُوا وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ، وَقَدْ كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ … إِلَخْ) أَرَادَ بِذَلِكَ تَقْرِيرَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ صِدْقَهُ إِذَا أَخْبَرَ عَنِ الْأَمْرِ الْغَائِبِ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: مَا أَعْلَمُ شَابًّا مِنَ الْعَرَبِ جَاءَ قَوْمُهُ بِأَفْضَلَ مِمَّا جِئْتُكُمْ بِهِ، إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
قَوْلُهُ: (كُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ) أَيْ مُنْذِرٌ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ مُحَارِبٍ، وَزُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَأَحْمَدَ، فَجَعَلَ يُنَادِي: إِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ، وَإِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَرَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ فَجَعَلَ يَهْتِفُ: يَا صَبَاحَاهُ، يَعْنِي يُنْذِرُ قَوْمَهُ. وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ: أَنَا النَّذِيرُ، وَالسَّاعَةُ الْمَوْعِدُ، وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ مُرْسَلِ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ ﷺ وَضَعَ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنِهِ وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ: يَا صَبَاحَاهُ، وَوَصَلَهُ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ قَسَامَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مَوْصُولًا أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (فَنَزَلَتْ: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ، وَزَادَ: هَكَذَا قَرَأَهَا الْأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ انْتَهَى. وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ فِيمَا نَقَلَ الْفَرَّاءُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ قَرَأَهَا حَاكِيًا لَا قَارِئًا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي هَذَا السِّيَاقِ: يَوْمَئِذٍ؛ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَمِرُّ عَلَى قِرَاءَتِهَا كَذَلِكَ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهَا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحْدَهُ.
قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ تَخْلِيصِهَا مِنَ النَّارِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا مِنَ الْعَذَابِ، فَكَانَ ذَلِكَ كَالشِّرَاءِ، كَأَنَّهُمْ جَعَلُوا الطَّاعَةَ ثَمَنَ النَّجَاةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ﴾ فَهُنَاكَ الْمُؤْمِنُ بَائِعٌ بِاعْتِبَارِ تَحْصِيلِ الثَّوَابِ وَالثَّمَنُ الْجَنَّةُ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ النُّفُوسَ كُلَّهَا مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ مَنْ أَطَاعَهُ حَقَّ طَاعَتِهِ فِي امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ وفي مَا عَلَيْهِ مِنَ الثَّمَنِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقِ.
قَوْلُهُ: (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ، يَا عَبَّاسُ … إِلَخْ) فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَأَحْمَدَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَرِيشًا فَعَمَّ وَخَصَّ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ. يَا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبٍ كَذَلِكَ، يَا مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ كَذَلِكَ، يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَذَلِكَ الْحَدِيثُ.
قَوْلُهُ: (يَا صَفِيَّةُ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ) بِنَصْبِ عَمَّةٍ، وَيَجُوزُ فِي صَفِيَّةَ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ: يَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ … إِلَخْ) سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي الْوَصَايَا، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَقْرَبَ لِلرَّجُلِ مَنْ كَانَ يَجْمَعُهُ هُوَ وَجَدٌّ أَعْلَى، وَكُلُّ مَنِ اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي جَدٍّ دُونَ ذَلِكَ كَانَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي الْمُرَادِ بِالْأَقْرَبِينَ وَالْأَقَارِبِ فِي الْوَصَايَا، وَالسِّرُّ فِي الْأَمْرِ بِإِنْذَارِ الْأَقْرَبِينَ أَوَّلًا أَنَّ الْحُجَّةَ إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِمْ تَعَدَّتْ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَإِلَّا فَكَانُوا عِلَّةً لِلْأَبْعَدِينَ فِي الِامْتِنَاعِ، وَأَنْ لَا يَأْخُذَهُ مَا يَأْخُذُ الْقَرِيبَ لِلْقَرِيبِ مِنَ الْعَطْفِ وَالرَّأْفَةِ فَيُحَابِيهِمْ فِي الدَّعْوَةِ وَالتَّخْوِيفِ، فَلِذَلِكَ نَصَّ لَهُ عَلَى إِنْذَارِهِمْ. وَفِيهِ جَوَازُ تَكْنِيَةِ الْكَافِرِ، وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، كَذَا قِيلَ. وَفِي إِطْلَاقِهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الَّذِي مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ حَيْثُ يَكُونُ السِّيَاقُ يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ لِشُهْرَتِهِ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا كَمَا فِي هَذَا أَوْ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مَا يَئُولُ أَمْرُهُ إِلَيْهِ مِنْ لَهَبِ جَهَنَّمَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ ذِكْرَهُ بِاسْمِهِ لِقُبْحِ اسْمِهِ لِأَنَّ اسْمَهُ كَانَ عَبْدَ الْعُزَّى، وَيُمْكِنُ جَوَابٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ التَّكْنِيَةَ لَا تَدُلُّ