أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ﴾ فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ﴿فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾، ﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ﴾ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِأَهْلِ الْإِخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ. وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: تَعَالَوْا نَقُولُ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ، فَخُتِمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ. فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُكْتَمُ حَدِيثًا، وَعِنْدَهُ: ﴿يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الْآيَةَ.
وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ وَدَحْوُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْجِمَالَ وَالْآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿دَحَاهَا﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ فَجُعِلَتْ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتْ السَّمَاوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ، ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا﴾ سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ. فَلَا يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: حَدَّثَنِيه يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ الْمِنْهَالِ بِهَذَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ مَحْسُوبٍ، ﴿أَقْوَاتَهَا﴾ أَرْزَاقَهَا. ﴿فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ مِمَّا أَمَرَ بِهِ. ﴿نَحِسَاتٍ﴾ مَشَائِيمَ ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ﴾، ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ﴾ عِنْدَ الْمَوْتِ. ﴿اهْتَزَّتْ﴾ بِالنَّبَاتِ، ﴿وَرَبَتْ﴾ ارْتَفَعَتْ. وقال غيره: ﴿مِنْ أَكْمَامِهَا﴾ حِينَ تَطْلُعُ. ﴿لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾ أَيْ بِعَمَلِي، أَنَا مَحْقُوقٌ بِهَذَا، ﴿سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ قَدَّرَهَا سَوَاءً. ﴿فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَقَوْلِهِ: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ وَكَقَوْلِهِ: ﴿هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ وَالْهُدَى الَّذِي هُوَ الْإِرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَسعَدْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾، ﴿يُوزَعُونَ﴾ يُكَفُّونَ. ﴿مِنْ أَكْمَامِهَا﴾ قِشْرُ الْكُفُرَّى، هِيَ الْكُمُّ. ﴿وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ الْقَرِيبُ ﴿مِنْ مَحِيصٍ﴾ حَاصَ عَنْهُ، حَادَ عنه.
﴿مِرْيَةٍ﴾ وَمُرْيَةٌ وَاحِدٌ أَيْ امْتِرَاءٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ الوَعِيدٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ الصَّبْرُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَالْعَفْوُ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ، فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمَهُمْ اللَّهُ وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ ﴿كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾
قَوْلُهُ: (سُورَةُ حم السَّجْدَةِ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) سَقَطَتِ الْبَسْمَلَةُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ طَاوُسٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ أَعْطِيَا) وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ فِي الصِّحَّةِ، وَلَفْظُ الطَّبَرِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿ائْتِيَا﴾ قَالَ: أَعْطِيَا وَفِي قَوْلِهِ: ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا﴾ قَالَتَا أَعْطَيْنَا. وَقَالَ عِيَاضٌ: لَيْسَ أَتَى هُنَا بِمَعْنَى أَعْطَى، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْإِتْيَانِ وَهُوَ الْمَجِيءُ بِمَعْنَى الِانْفِعَالِ لِلْوُجُودِ، بِدَلِيلِ الْآيَةِ نَفْسِهَا. وَبِهَذَا فَسَّرَهُ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ جِيئَا بِمَا خَلَقْتُ فِيكُمَا وَأَظْهِرَاهُ، قَالَتَا أَجَبْنَا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى تَقْرِيبِ الْمَعْنَى أَنَّهُمَا لَمَّا أُمِرَتَا بِإِخْرَاجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute