الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا مَا حَدَثَ) الَّذِي قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ هُوَ إِبْلِيسُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُتَقَدِّمَةِ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا)؛ أَيْ سِيرُوا فِيهَا كُلِّهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ﴾ يبتغون من فضل الله. وَفِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ: فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيسَ، فَبَثَّ جُنُودَهُ، فَإِذَا هُمْ بِالنَّبِيِّ ﷺ يُصَلِّي بِرَحْبَةٍ فِي نَخْلَةٍ.
قَوْلُهُ: (فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا) قِيلَ: كَانَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ مِنَ الْجِنِّ عَلَى دِينِ الْيَهُودِ، وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى﴾. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا تِسْعَةً، وَمِنْ طَرِيقِ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانُوا سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ، لَكِنْ قَالَ: كَانُوا أَرْبَعَةً مِنْ نَصِيبِينَ وَثَلَاثَةً مِنْ حَرَّانَ، وَهُمْ حِسًّا وَنَسَا وَشَاصِرٌ وَمَاضِرٌ وَالْأَدْرَسُ وَوَرْدَانُ وَالْأَحْقَبُ. وَنَقَلَ السُّهَيْلِيُّ فِي التَّعْرِيفِ أَنَّ ابْنَ دُرَيْدٍ ذَكَرَ مِنْهُمْ خَمْسَةً: شَاصِرَ وَمَاضِرَ وَمُنَشَّى وَنَاشِي وَالْأَحْقَبَ. قَالَ: وَذَكَرَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ وَغَيْرُهُ قِصَّةَ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ وَقِصَّةَ سُرَّقٍ وَقِصَّةَ زَوْبَعَةَ قَالَ: فَإِنْ كَانُوا سَبْعَةً فَالْأَحْقَبُ لَقَبُ أَحَدِهِمْ لَا اسْمُهُ. وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ ابْنُ عَسْكَرٍ مَا تَقَدَّمَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: فَإِذَا ضُمَّ إِلَيْهِمْ عَمْرٌو وَزَوْبَعَةُ وَسُرَّقٌ وَكَانَ الْأَحْقَبُ لَقَبًا كَانُوا تِسْعَةً.
قُلْتُ: هُوَ مُطَابِقٌ لِرِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ جَزِيرَةِ الْمَوْصِلِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِابْنِ مَسْعُودٍ: أَنْظِرْنِي حَتَّى آتِيكَ. وَخَطَّ عَلَيْهِ خَطًّا، الْحَدِيثَ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ، فَإِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا أَوَّلًا كَانَ سَبَبُ مَجِيئِهِمْ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ إِرْسَالِ الشُّهُبِ، وَسَبَبُ مَجِيءِ الَّذِينَ فِي قِصَّةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ جَاءُوا لِقَصْدِ الْإِسْلَامِ وَسَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالسُّؤَالِ عَنْ أَحْكَامِ الدِّينِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْمَبْعَثِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَالْقِصَّةُ الْأُولَى كَانَتْ عَقِبَ الْمَبْعَثِ، وَلَعَلَّ مَنْ ذُكِرَ فِي الْقِصَصِ الْمُفَرَّقَةِ كَانُوا مِمَّنْ وَفَدَ بَعْدُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلِّ قِصَّةٍ مِنْهَا إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ وَفَدَ، وَقَدْ ثَبَتَ تَعَدُّدُ وُفُودِهِمْ. وَتَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ كَثِيرٌ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْجِنِّ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
قَوْلُهُ: (نَحْوَ تِهَامَةَ) بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ؛ اسْمٌ لِكُلِّ مَكَانٍ غَيْرِ عَالٍ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ حَرِّهَا اشْتِقَاقًا مِنَ التَّهَمِ - بِفَتْحَتَيْنِ - وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَسُكُونِ الرِّيحِ، وَقِيلَ: مِنْ تَهِمَ الشَّيْءُ إِذَا تَغَيَّرَ، قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِتَغَيُّرِ هَوَائِهَا. قَالَ الْبَكْرِيُّ: حَدُّهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ ذَاتُ عِرْقٍ، وَمِنْ قِبَلِ الْحِجَازِ السَّرْجُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا جِيمٌ قَرْيَةٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مِيلًا.
قَوْلُهُ: (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ: فَانْطَلَقُوا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ عَامِدٌ) كَذَا هُنَا، وَتَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بِلَفْظِ عَامِدِينَ وَنُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ، أَوْ ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ لِمُنَاسَبَةِ الرِّوَايَةِ الَّتِي هُنَا.
قَوْلُهُ: (بِنَخْلَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ؛ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، قَالَ الْبَكْرِيُّ: عَلَى لَيْلَةٍ مِنْ مَكَّةَ. وَهِيَ الَّتِي يُنْسَبُ إِلَيْهَا بَطْنُ نَخْلٍ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِنَخْلٍ بِلَا هَاءٍ، وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا.
قَوْلُهُ: (يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ) لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ - أَوِ ابْنُ الزُّبَيْرِ - كَانَ ذَلِكَ بِنَخْلَةَ وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ. وَأخَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ: فَقَرَأَ: ﴿كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
قَوْلُهُ: (تَسَمَّعُوا لَهُ)؛ أَيْ قَصَدُوا لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ وَأَصْغَوْا إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَهُنَالِكَ) هُوَ