للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ). ثَبَتَتِ الْبَسْمَلَةُ وَكِتَابُ لِأَبِي ذَرٍّ، وَوَقَعَ لِغَيْرِهِ فَضَائِلُ الْقُرْآنِ حَسْبُ.

قَوْلُهُ: (بَابُ كَيْفَ نَزَلَ الْوَحْيُ وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ نَزَلَ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَلِغَيْرِهِ كَيْفَ نُزُولُ الْوَحْيِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي كَيْفِيَّةِ نُزُولِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ فِي أَوَّلِ الصَّحِيحِ، وَكَذَا أَوَّلُ نُزُولِهِ فِي حَدِيثِهَا أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ لَكِنَّ التَّعْبِيرَ بِأَوَّلِ مَا نَزَلَ أَخَصُّ مِنَ التَّعْبِيرِ بِأَوَّلِ مَا بُدِئَ لِأَنَّ النُّزُولَ يَقْتَضِي وُجُودَ مَنْ يَنْزِلُ بِهِ، وَأَوَّلُ ذَلِكَ مَجِيءُ الْمَلَكِ لَهُ عِيَانًا مُبَلِّغًا عَنِ اللَّهِ بِمَا شَاءَ مِنَ الْوَحْيِ، وَإِيحَاءُ الْوَحْيِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِإِنْزَالٍ أَوْ بِإِلْهَامٍ، سَوَاءٌ وَقَعَ ذَلِكَ فِي النَّوْمِ أَوْ فِي الْيَقَظَةِ. وَأَمَّا انْتِزَاعُ ذَلِكَ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَسَأَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ شَرْحِ كُلِّ حَدِيثٍ مِنْهَا.

قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُهَيْمِنُ: الْأَمِينُ، الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ) تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا الْأَثَرِ، وَذِكْرُ مَنْ وَصَلَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِأَصْلِ التَّرْجَمَةِ وَهِيَ فَضَائِلُ الْقُرْآنِ، وَتَوْجِيهُ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْقُرْآنَ تَضَمَّنَ تَصْدِيقَ جَمِيعِ مَا أُنْزِلَ قَبْلَهُ، لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الَّتِي فِيهِ إِمَّا مُقَرِّرَةٌ لِمَا سَبَقَ وَإِمَّا نَاسِخَةٌ - وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي إِثْبَاتَ الْمَنْسُوخِ - وَإِمَّا مُجَدِّدَةٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ دَالٌّ عَلَى تَفْضِيلِ الْمُجَدِّدِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ.

الْأَوَّلُ وَالثَّانِي حَدِيثَا ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ مَعًا.

قَوْلُهُ: (عَنْ شَيْبَانَ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.

قَوْلُهُ: (لَبِثَ النَّبِيُّ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ) كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ، وَلِغَيْرِهِ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا بِإِبْهَامِ الْمَعْدُودِ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَاشَ سِتِّينَ سَنَةً إِذَا انْضَمَّ إِلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ بُعِثَ عَلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِينَ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي أَلْغَى الْكَسْرَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ عَاشَ سِتِّينَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، وَمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ إِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى إِلْغَاءِ الْكَسْرِ فِي السِّنِينَ، وَإِمَّا عَلَى جَبْرِ الْكَسْرِ فِي الشُّهُورِ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ بُعِثَ عَلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِينَ، فَكَانَتْ مُدَّةُ وَحْيِ الْمَنَامِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ إِلَى أَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْمَلَكُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ فَتْرَةٍ، ثُمَّ فَتَرَ الْوَحْيُ، ثُمَّ تَوَاتَرَ وَتَتَابَعَ، فَكَانَتْ مُدَّةُ تَوَاتُرِهِ وَتَتَابُعِهِ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ فَتْرَةٍ، أَوْ أَنَّهُ عَلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِينَ قُرِنَ بِهِ مِيكَائِيلُ أَوْ إِسْرَافِيلُ، فَكَانَ يُلْقِي إِلَيْهِ الْكَلِمَةَ أَوِ الشَّيْءَ مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ كَمَا جَاءَ مِنْ وَجْهٍ مُرْسَلٍ، ثُمَّ قُرِنَ بِهِ جِبْرِيلُ فَكَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ بِمَكَّةَ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ نَزَلَ مُفَرَّقًا وَلَمْ يَنْزِلْ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالْحَاكِمُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً وَقَرَأَ: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ الْآيَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ، وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ فُرِّقَ فِي السِّنِينَ وَفِي أُخْرَى صَحِيحَةٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَالْحَاكِمِ أَيْضًا وُضِعَ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَجَعَلَ جِبْرِيلُ يَنْزِلُ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ لِلْحَلِيمِيِّ: أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُنَزِّلُ مِنْهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَدْرَ مَا يَنْزِلُ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ إِلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي تَلِيهَا، إِلَى أَنْ أَنْزَلَهُ كُلَّهُ فِي عِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَهَذَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفَةٍ وَمُنْقَطِعَةٍ أَيْضًا.

وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ نَزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُفَرَّقًا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ