للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَنَّهُ نَزَلَ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَأَنَّ الْحَفَظَةَ نَجَّمَتْهُ عَلَى جِبْرِيلَ فِي عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَأَنَّ جِبْرِيلَ نَجَّمَهُ عَلَى النَّبِيِّ فِي عِشْرِينَ سَنَةً، وَهَذَا أَيْضًا غَرِيبٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُ النَّبِيَّ فِي رَمَضَانَ بِمَا يَنْزِلُ بِهِ عَلَيْهِ فِي طُولِ السَّنَةِ، كَذَا جَزَمَ بِهِ الشَّعْبِيُّ فِيمَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ أَنَّ أَوَّلَ نُزُولِ جِبْرِيلَ بِالْقُرْآنِ كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُ النَّبِيَّ بِالْقُرْآنِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَفِي ذَلِكَ حِكْمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا تَعَاهُدُهُ، وَالْأُخْرَى تَبْقِيَةُ مَا لَمْ يُنْسَخْ مِنْهُ وَرَفْعُ مَا نُسِخَ، فَكَانَ رَمَضَانُ ظَرْفًا لِإِنْزَالِهِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا وَعَرْضًا وَأَحْكَامًا.

وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثِ عَشْرَةٍ خَلَتْ مِنْهُ، وَالزَّبُورُ لِثَمَانِ عَشْرَةٍ خَلَتْ مِنْهُ، وَالْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. وَهَذَا كُلُّهُ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ، فَأُنْزِلَ فِيهَا جُمْلَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ أُنْزِلَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ إِلَى الْأَرْضِ أَوَّلُ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ وَيُسْتَفَادُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ كُلُّهُ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ خَاصَّةً، وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ نَزَلَ كَثِيرٌ مِنْهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمَيْنِ حَيْثُ كَانَ النَّبِيُّ فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَزَاةٍ، وَلَكِنَّ الِاصْطِلَاحَ أَنَّ كُلَّ مَا نَزَلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَهُوَ مَكِّيٌّ، وَمَا نَزَلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَهُوَ مَدَنِيٌّ، سَوَاءٌ نَزَلَ فِي الْبَلَدِ حَالَ الْإِقَامَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا حَالَ السَّفَرِ، وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي بَابِ تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ.

الْحَدِيثُ الْثَّالِثُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ) هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ) فَاعِلُ قَالَ هُوَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ.

قَوْلُهُ: (أُنْبِئْتُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَقَدْ عَيَّنَهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ. وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي أَوَّلِهِ زِيَادَةٌ حَذَفَهَا الْبُخَارِيُّ عَمْدًا لِكَوْنِهَا مَوْقُوفَةً وَلِعَدَمِ تَعَلُّقِهَا بِالْبَابِ وَهِيَ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: لَا تَكُونَنَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْبَرْقَانِيُّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ مَرْفُوعًا.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: مَنْ هَذَا)؟ فَاعِلُ ذَلِكَ النَّبِيُّ اسْتَفْهَمَ أُمَّ سَلَمَةَ عَنِ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُهُ هَلْ فَطِنَتْ لِكَوْنِهِ مَلَكًا أَوْ لَا.

قَوْلُهُ: (أَوْ كَمَا قَالَ) يُرِيدُ أَنَّ الرَّاوِيَ شَكَّ فِي اللَّفْظِ مَعَ بَقَاءِ الْمَعْنَى فِي ذِهْنِهِ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ الْمُحَدِّثِينَ لَهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ الدَّاوُدِيُّ: هَذَا السُّؤَالُ إِنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ ذَهَابِ جِبْرِيلَ، وَظَاهِرُ سِيَاقِ الْحَدِيثِ يُخَالِفُهُ. كَذَا قَالَ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مَا ادَّعَاهُ مِنَ الظُّهُورِ، بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ.

قَوْلُهُ: (قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ) أَيِ ابْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ هِرَقْلَ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَكَانَ مَوْصُوفًا بِالْجَمَالِ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَأْتِي النَّبِيَّ غَالِبًا عَلَى صُورَتِهِ.

قَوْلُهُ: (فَلَمَّا قَامَ) أَيِ النَّبِيُّ أَيْ قَامَ ذَاهِبًا إِلَى الْمَسْجِدِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا مَا ظَنَّتْهُ مِنْ أَنَّهُ دِحْيَةُ اكْتِفَاءً بِمَا سَيَقَعُ مِنْهُ فِي الْخُطْبَةِ مِمَّا يُوَضِّحُ لَهَا الْمَقْصُودَ.

قَوْلُهُ: (مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ) هَذَا كَلَامُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَيْمُنِ اللَّهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ وَأَيْمُنِ مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ، وَفِيهَا لُغَاتٌ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا.

قَوْلُهُ: (حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ يُخْبِرُ بِخَبَرِ جِبْرِيلَ أَوْ كَمَا قَالَ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يُخْبِرُنَا خَبَرَنَا وَهُوَ تَصْحِيفٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ عِيَاضٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا.

قُلْتُ: وَلَمْ أَرَ هذَا الْحَدِيثَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَسَانِيدِ إِلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ فَهُوَ مِنْ غَرَائِبِ الصَّحِيحِ. وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَلَى بَيَانِ هَذَا الْخَبَرِ فِي أَيِّ قِصَّةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي قِصَّةِ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَدْ وَقَعَ فِي دَلَائِلَ الْبَيْهَقِيِّ وَفِي