رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ فَيَتَنَازَعُونَ فِي الْقُرْآنِ، حَتَّى سَمِعَ حُذَيْفَةُ مِنَ اخْتِلَافِهِمْ مَا ذَعَرَهُ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَتَذَاكَرُوا الْقُرْآنَ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ حَتَّى كَادَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ فِتْنَةٌ، وَفِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ أَنَّ حُذَيْفَةَ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةٍ فَلَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ حَتَّى أَتَى عُثْمَانَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكِ النَّاسَ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: غَزَوْتُ فَرْجَ أَرْمِينِيَّةَ، فَإِذَا أَهْلُ الشَّامِ يَقْرَءُونَ بِقِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَيَأْتُونَ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَإِذَا أَهْلُ الْعِرَاقِ يَقْرَءُونَ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَيَأْتُونَ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ أَهْلُ الشَّامِ، فَيُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إِنِّي لَفِي الْمَسْجِدِ زَمَنَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا حُذَيْفَةُ، فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ قِرَاءَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَمِعَ آخَرَ يَقُولُ قِرَاءَةَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فَغَضِبَ ثُمَّ قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ مَنْ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا، وَاللَّهِ لَأَرْكَبَنَّ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّ اثْنَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، قَرَأَ هَذَا ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ وَقَرَأَ هَذَا (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلْبَيْتِ) فَغَضِبَ حُذَيْفَةُ وَاحْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: يَقُولُ أَهْلُ الْكُوفَةِ قِرَاءَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَيَقُولُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ قِرَاءَةَ أَبِي مُوسَى، وَاللَّهِ لَئِنْ قَدِمْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَآمُرَنَّهُ أَنْ يَجْعَلَهَا قِرَاءَةً وَاحِدَةً وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لِحُذَيْفَةَ: بَلَغَنِي عَنْكَ كَذَا، قَالَ: نَعَمْ كَرِهْتُ أَنْ يُقَالَ: قِرَاءَةُ فُلَانٍ وَقِرَاءَةُ فُلَانٍ فَيَخْتَلِفُونَ كَمَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكِتَابِ.
وَهَذِهِ الْقِصَّةُ لِحُذَيْفَةَ يَظْهَرُ لِي أَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْقِصَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ فِي الْقِرَاءَةِ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى الِاخْتِلَافَ أَيْضًا بَيْنَ أَهْلِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ اشْتَدَّ خَوْفُهُ فَرَكِبَ إِلَى عُثْمَانَ، وَصَادَفَ أَنَّ عُثْمَانَ أَيْضًا كَانَ وَقَعَ لَهُ نَحْوُ ذَلِكَ، فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ جَعَلَ الْمُعَلِّمُ يُعَلِّمُ قِرَاءَةَ الرَّجُلِ، وَالْمُعَلِّمُ يُعَلِّمُ قِرَاءَةَ الرَّجُلِ، فَجَعَلَ الْغِلْمَانُ يَتَلَقَّوْنَ فَيَخْتَلِفُونَ، حَتَّى ارْتَفَعَ ذَلِكَ إِلَى الْمُعَلِّمِينَ حَتَّى كَفَّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ فَخَطَبَ فَقَالَ: أَنْتُمْ عِنْدِي تَخْتَلِفُونَ، فَمَنْ نَأَى عَنِّي مِنَ الْأَمْصَارِ أَشَدُّ اخْتِلَافًا. فَكَأَنَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَمَّا جَاءَهُ حُذَيْفَةُ، وَأَعْلَمَهُ بِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ تَحَقَّقَ عِنْدَهُ مَا ظَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ عُثْمَانُ: تَمْتَرُونَ فِي الْقُرْآنِ، تَقُولُونَ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: وَاللَّهِ مَا تُقِيمُ قِرَاءَتَكَ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْرَأُ حَتَّى يَقُولَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ كَفَرْتَ بِمَا تَقُولُ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ فَتَعَاظَمَ فِي نَفْسِهِ. وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ: أَنَّ نَاسًا بِالْعِرَاقِ يُسْأَلُ أَحَدُهُمْ عَنِ الْآيَةِ، فَإِذَا قَرَأَهَا قَالَ: إِلَّا أَنِّي أُكَفَّرُ بِهَذِهِ، فَفَشَا ذَلِكَ فِي النَّاسِ، فَكُلِّمَ عُثْمَانُ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ) فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ فَاسْتَخْرَجَ الصَّحِيفَةَ الَّتِي كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَمَرَ زَيْدًا بِجَمْعِهَا فَنَسَخَ مِنْهَا مَصَاحِفَ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْآفَاقِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّحُفِ وَالْمُصْحَفِ أَنَّ الصُّحُفَ الْأَوْرَاقُ الْمُجَرَّدَةُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَتْ سُوَرٌ مُفَرَّقَةٌ كُلُّ سُورَةٍ مُرَتَّبَةٌ بِآيَاتِهَا عَلَى حِدَةٍ لَكِنْ لَمْ يُرَتَّبْ بَعْضُهَا إِثْرَ بَعْضٍ، فَلَمَّا نُسِخَتْ وَرُتِّبَ بَعْضُهَا إِثْرَ بَعْضٍ صَارَتْ مُصْحَفًا، وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنِ اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ، فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: لَا تَقُولُوا فِي عُثْمَانَ إِلَّا خَيْرًا فَوَاللَّهِ مَا فَعَلَ الَّذِي فَعَلَ فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا عَنْ مَلَأٍ مِنَّا قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ؟ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: إِنَّ قِرَاءَتِي خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَتِكَ، وَهَذَا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا، قُلْنَا: فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ نَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ فَلَا تَكُونُ فُرْقَةٌ وَلَا اخْتِلَافٌ. قُلْنَا: فَنِعْمَ مَا رَأَيْتَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute