أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ وَهَذَا لَا يَنْفِي إِثْبَاتَ مِنْ فَإِنَّهُ نَفَى الْأَغْلَبِيَّةَ وَلَمْ يَنْفِ الْمُسَاوَاةَ، وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ) يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْفَضْلِ لَا تَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ، فَالْأَعْلَمِيَّةُ بِكِتَابِ اللَّهِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْأَعْلَمِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَعْلَمُ مِنْهُ بِعُلُومٍ أُخْرَى فَلِهَذَا قَالَ: وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ وَسَيَأْتِي فِي هَذَا بَحْثٌ فِي بَابِ خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (قَالَ شَقِيقٌ) أَيْ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ: (فَجَلَسْتُ فِي الْحَلَقِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ (فَمَا سَمِعْتُ رَادًّا يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ) يَعْنِي لَمْ يَسْمَعْ مَنْ يُخَالِفُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ، أَوِ الْمُرَادُ مَنْ يَرُدُّ قَوْلَهُ ذَلِكَ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ شَقِيقٌ فَجَلَسْتُ فِي حَلَقِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ وَلَا يَعِيبُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي شِهَابٍ فَلَمَّا نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ جَلَسْتُ فِي الْحَلَقِ فَمَا أَحَدٌ يُنْكِرُ مَا قَالَ: وَهَذَا يُخَصِّصُ عُمُومَ قَوْلِهِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ بِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْكُوفَةِ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ وَفِيهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَبَلَغَنِي أَنَّ ذَلِكَ كَرِهَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ كَرِهُوا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَاهَدَهُمْ شَقِيقُ بِالْكُوفَةِ، وَيَحْتَمِلُ اخْتِلَافَ الْجِهَةِ.
فَالَّذِي نَفَى شَقِيقٌ أَنَّ أَحَدًا رَدَّهُ أَوْ عَابَهُ وَصْفُ ابْنِ مَسْعُودٍ بِأَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ بِالْقُرْآنِ، وَالَّذِي أَثْبَتَهُ الزُّهْرِيُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِهِ بِغَلِّ الْمَصَاحِفِ، وَكَأَنَّ مُرَادَ ابْنِ مَسْعُودٍ بِغَلِّ الْمَصَاحِفِ كَتْمُهَا وَإِخْفَاؤُهَا لِئَلَّا تَخْرُجُ فَتُعْدَمُ وَكَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَأَى خِلَافَ مَا رَأَى عُثْمَانُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى قِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِلْغَاءِ مَا عَدَا ذَلِكَ، أَوْ كَانَ لَا يُنْكِرُ الِاقْتِصَارَ لِمَا فِي عَدَمِهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ، بَلْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتَهُ هِيَ الَّتِي يُعَوَّلُ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا لِمَا لَهُ مِنَ الْمَزِيَّةِ فِي ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ لِغَيْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِ، فَلَمَّا فَاتَهُ ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى قِرَاءَةِ زَيْدٍ تَرْجِيحٌ بِغَيْرِ مُرَجِّحٍ عِنْدَهُ اخْتَارَ اسْتِمْرَارَ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، عَلَى أَنَّ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ تَرْجَمَ بَابَ رِضَى ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا صَنَعَ عُثْمَانُ لَكِنْ لَمْ يُورِدْ مَا يُصَرِّحُ بِمُطَابَقَةِ مَا تَرْجَمَ بِهِ.
الْحَدِيثُ الْثَالِثُ:
قَوْلُهُ: (كُنَّا بِحِمْصَ فَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ سُورَةَ يُوسُفَ) هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ عَلْقَمَةَ حَضَرَ الْقِصَّةَ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ الْقَاضِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ فَقَالَ فِيهِ: عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بِحِمْصَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ، عَنِ الْأَعْمَشَ وَلَفْظُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنْتُ بِحِمْصَ، فَقَرَأْتُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عَلْقَمَةَ لَمْ يَحْضُرِ الْقِصَّةَ وَإِنَّمَا نَقَلَهَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَفْظُهُ كُنْتُ جَالِسًا بِحِمْصَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ وَرِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَكِنْ أَحَالَ بِهَا.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ رَجُلٌ: مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ الَّذِي تَقَدَّمَتْ لَهُ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْقُرْآنِ قِصَّةٌ غَيْرُ هَذِهِ، لَكِنْ لَمْ أَرَ ذَلِكَ صَرِيحًا. وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: فَقَالَ لِيَ بَعْضُ الْقَوْمِ: اقْرَأْ عَلَيْنَا، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ سُورَةَ يُوسُفَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ فَإِنْ كَانَ السَّائِلُ هُوَ الْقَائِلُ وَإِلَّا فَفِيهِ مُبْهَمٌ آخَرُ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقُلْتُ وَيْحَكَ، وَاللَّهِ لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
قَوْلُهُ: (وَوَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ) هِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَبَيْنَمَا أَنَا أُكَلِّمُهُ إِذْ وَجَدْتُ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ.
قَوْلُهُ: (فَضَرَبَهُ الْحَدَّ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقُلْتُ لَا تَبْرَحْ حَتَّى أَجْلِدَكَ، قَالَ: فَجَلَدْتُهُ الْحَدَّ قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَتْ