أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي أَوَّلِ الشَّرِيعَةِ لَهُ وَأَكْثَرَ مَنْ تَخْرِيجِ طُرُقِهِ أَيْضًا، وَرَجَّحَ الْحُفَّاظُ رِوَايَةَ الثَّوْرِيِّ وَعَدُّوا رِوَايَةَ شُعْبَةَ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ كَأَنَّ رِوَايَةَ سُفْيَانَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ.
وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَأَخْرَجَ الطَّرِيقَيْنِ فَكَأَنَّهُ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَنَّهُمَا جَمِيعًا مَحْفُوظَانِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ عَلْقَمَةَ سَمِعَهُ أَوَّلًا مِنْ سَعْدٍ ثُمَّ لَقِيَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَحَدَّثَهُ بِهِ، أَوْ سَمِعَهُ مَعَ سَعْدٍ مِنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَثَبَّتَهُ فِيهِ سَعْدٌ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ مِنَ الزِّيَادَةِ الْمَوْقُوفَةِ وَهِيَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَلِكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي هَذَا الْمَقْعَدَ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ. وَقَدْ شَذَّتْ رِوَايَةٌ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِذِكْرِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ فِيهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ أَنَّ عَلْقَمَةَ حَدَّثَهُمَا عَنْ سَعْدٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: أَصْحَابُ سُفْيَانَ لَا يَذْكُرُونَ فِيهِ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَهَكَذَا حَكَمَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ عَلَى يَحْيَى الْقَطَّانِ فِيهِ بِالْوَهْمِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: جَمَعَ يَحْيَى الْقَطَّانُ بَيْنَ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ، فَالثَّوْرِيُّ لَا يَذْكُرُ فِي إِسْنَادِهِ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ. وَهَذَا مِمَّا عُدَّ فِي خَطَأِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَلَى الثَّوْرِيِّ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: حَمَلَ يَحْيَى الْقَطَّانُ رِوَايَةَ الثَّوْرِيِّ عَلَى رِوَايَةِ شُعْبَةَ فَسَاقَ الْحَدِيثَ عَنْهُمَا، وَحَمَلَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فَسَاقَهُ عَلَى لَفْظِ شُعْبَةَ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَقَالَ: قَالَ شُعْبَةُ: خَيْرُكُمْ، وَقَالَ سُفْيَانُ: أَفْضَلُكُمْ.
قُلْتُ: وَهُوَ تَعَقُّبٌ وَاهٍ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْصِيلِهِ لِلَفْظِهِمَا فِي الْمَتْنِ أَنْ يَكُونَ فَصَّلَ لَفْظَهُمَا فِي الْإِسْنَادِ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُقَالُ: إِنَّ يَحْيَى الْقَطَّانَ لَمْ يُخْطِئْ قَطُّ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ خَلَّادَ بْنَ يَحْيَى تَابَعَ يَحْيَى الْقَطَّانَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ عَلَى زِيَادَةِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ وَهِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَقَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ جَمِيعًا عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ كِلَاهُمَا عَنْ عَلْقَمَةَ بِزِيَادَةِ سَعْدٍ، وَزَادَ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلًا آخَرَ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ، وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَهْمٌ، وَالصَّوَابُ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِدُونِ ذِكْرِ سَعْدٍ وَعَنْ شُعْبَةَ بِإِثْبَاتِهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عُثْمَانَ) فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: خَيْرُكُمْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَأَقْرَأَهُ وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُثْمَانَ. وَفِي رِوَايَةِ خَلَّادِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الثَّوْرِيِّ بِسَنَدِهِ قَالَ: عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا وَهْمٌ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ السُّلَمِيُّ أَخَذَهُ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ ثُمَّ لَقِيَ عُثْمَانَ فَأَخَذَهُ عَنْهُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَكْثَرُ مِنْ أَبَانَ. وَأَبَانُ اخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ مِنْ أَبِيهِ أَشَدَّ مِمَّا اخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ عُثْمَانَ فَبَعُدَ هَذَا الِاحْتِمَالُ. وَجَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ فَذَكَرَهُ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ سَلَّامٍ يَعْنِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ قُلْتُ: وَسَعِيدٌ ضَعِيفٌ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ مِنْ عُثْمَانَ وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ شُعْبَةَ ثُمَّ قَالَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّمْيِيزِ فِي سَمَاعِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ عُثْمَانَ وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ مِثْلَ مَا قَالَ شُعْبَةُ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ أَنَّ مُسْلِمًا سَكَتَ عَنْ إِخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِهِ.
قُلْتُ: قَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ التَّصْرِيحُ بِتَحْدِيثِ عُثْمَانَ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute