للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، لَكِنْ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ اعْتَمَدَ فِي وَصْلِهِ وَفِي تَرْجِيحِ لِقَاءِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِعُثْمَانَ عَلَى مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ مِنَ الزِّيَادَةِ، وَهِيَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَقْرَأَ مِنْ زَمَنِ عُثْمَانَ إِلَى زَمَنِ الْحَجَّاجِ، وَأَنَّ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَإِذَا سَمِعَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَلَمْ يُوصَفْ بِالتَّدْلِيسِ اقْتَضَى ذَلِكَ سَمَاعَهُ مِمَّنْ عَنْعَنَهُ عَنْهُ وَهُوَ عُثْمَانُ وَلَا سِيَّمَا مَعَ مَا اشْتُهِرَ بَيْنَ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى عُثْمَانَ، وَأَسْنَدُوا ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ وَغَيْرِهِ، فَكَانَ هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلسَّرَخْسِيِّ أَوْ عَلَّمَهُ وَهِيَ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ، وَكَذَا لِأَحْمَدَ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ إِنَّ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ شُعْبَةَ يَقُولُونَهُ بِالْوَاوِ، وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ، عَنْ بَهْزٍ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَهِيَ أَظْهَرُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الَّتِي بِأَوْ تَقْتَضِي إِثْبَاتَ الْخَيْرِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِمَنْ فَعَلَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَيَلْزَمُ أَنَّ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَلَوْ لَمْ يُعَلِّمْهُ غَيْرَهُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا مِمَّنْ عَمِلَ بِمَا فِيهِ مَثَلًا وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْهُ، وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَى رِوَايَةِ الْوَاوِ أَيْضًا أَنَّ مَنْ تَعَلَّمَهُ وَعَلَّمَهُ غَيْرَهُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِمَّنْ عَمِلَ بِمَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ وَلَمْ يُعَلِّمْهُ غَيْرَهُ، لِأَنَّا نَقُولُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْخَيْرِيَّةِ مِنْ جِهَةِ حُصُولِ التَّعْلِيمِ بَعْدَ الْعِلْمِ، وَالَّذِي يُعَلِّمُ غَيْرَهُ يَحْصُلُ لَهُ النَّفْعُ الْمُتَعَدِّي بِخِلَافِ مَنْ يَعْمَلُ فَقَطْ، بَلْ مِنْ أَشْرَفِ الْعَمَلِ تَعْلِيمُ الْغَيْرِ، فَمُعَلِّمُ غَيْرِهِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ تَعَلَّمَهُ، وَتَعْلِيمُهُ لِغَيْرِهِ عَمَلٌ وَتَحْصِيلُ نَفْعٍ مُتَعَدٍّ، وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى حَوْلَ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي لَاشْتَرَكَ كُلُّ مَنْ عَلَّمَ غَيْرَهُ عِلْمًا مَا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّا نَقُولُ الْقُرْآنُ أَشْرَفُ الْعُلُومِ فَيَكُونُ مَنْ تَعَلَّمَهُ وَعَلَّمَهُ لِغَيْرِهِ أَشْرَفُ مِمَّنْ تَعَلَّمَ غَيْرَ الْقُرْآنِ وَإِنْ عَلَّمَهُ فَيَثْبُتُ الْمُدَّعَى.

وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمِهِ مُكَمِّلٌ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ جَامِعٌ بَيْنَ النَّفْعِ الْقَاصِرِ وَالنَّفْعِ الْمُتَعَدِّي وَلِهَذَا كَانَ أَفْضَلَ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ وَالدُّعَاءُ إِلَى اللَّهِ يَقَعُ بِأُمُورٍ شَتَّى مِنْ جُمْلَتِهَا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَهُوَ أَشْرَفُ الْجَمِيعِ، وَعَكْسُهُ الْكَافِرُ الْمَانِعُ لِغَيْرِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا﴾ فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِئُ أَفْضَلَ مِنَ الْفَقِيهِ قُلْنَا: لَا، لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا فُقَهَاءَ النُّفُوسِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ اللِّسَانِ فَكَانُوا يَدْرُونَ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ بِالسَّلِيقَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَدْرِيهَا مَنْ بَعْدَهُمْ بِالِاكْتِسَابِ، فَكَانَ الْفِقْهُ لَهُمْ سَجِيَّةً، فَمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ شَأْنِهِمْ شَارَكَهُمْ فِي ذَلِكَ، لَا مَنْ كَانَ قَارِئًا أَوْ مُقْرِئًا مَحْضًا لَا يَفْهَمُ شَيْئًا مِنْ مَعَانِي مَا يَقْرَؤُهُ أَوْ يُقْرِئُهُ. فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِئُ أَفْضَلَ مِمَّنْ هُوَ أَعْظَمُ غِنَاءً فِي الْإِسْلَامِ بِالْمُجَاهَدَةِ وَالرِّبَاطِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مَثَلًا، قُلْنَا: حَرْفُ الْمَسْأَلَةِ يَدُورُ عَلَى النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي فَمَنْ كَانَ حُصُولُهُ عِنْدَهُ أَكْثَرَ كَانَ أَفْضَلَ، فَلَعَلَّ مِنْ مُضْمَرَةٌ فِي الْخَبَرِ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ مُرَاعَاةِ الْإِخْلَاصِ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْخَيْرِيَّةُ وَإِنْ أُطْلِقَتْ لَكِنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِنَاسٍ مَخْصُوصِينَ خُوطِبُوا بِذَلِكَ كَانَ اللَّائِقُ بِحَالِهِمْ ذَلِكَ، أَوِ الْمُرَادُ خَيْرُ الْمُتَعَلِّمِينَ مَنْ يُعَلِّمُ غَيْرَهُ لَا مَنْ يَقْتَصِرُ عَلَى نَفْسِهِ، أَوِ الْمُرَادُ مُرَاعَاةُ الْحَيْثِيَّةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ خَيْرُ الْكَلَامِ، فَمُتَعَلِّمُهُ خَيْرٌ مِنْ مُتَعَلِّمِ غَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى خَيْرِيَّةِ الْقُرْآنِ، وَكَيْفَمَا كَانَ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ عَلَّمَ وَتَعَلَّمَ بِحَيْثُ يَكُونُ قَدْ عَلِمَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَيْنًا.

قَوْلُهُ: (قَالَ: وَأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ حَتَّى كَانَ الْحَجَّاجُ) أَيْ حَتَّى وَلِيَ الْحَجَّاجُ عَلَى الْعِرَاقِ قُلْتُ: بَيْنَ أَوَّلِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَآخِرِ وِلَايَةِ الْحَجَّاجِ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَبَيْنَ آخِرِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَأَوَّلِ وِلَايَةِ الْحَجَّاجِ الْعِرَاقَ ثَمَانٍ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ ابْتِدَاءِ إِقْرَاءِ