جَمْعُ تَاجِرٍ.
قَوْلُهُ: (فِي الْمُدَّةِ) يَعْنِي مُدَّةَ الصُّلْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهُا فِي الْمَغَازِي، وَكَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ، وَكَانَتْ مُدَّتُهَا عَشْرَ سِنِينَ كَمَا فِي السِّيرَةِ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ: كَانَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْبُيُوعِ مِنَ الْمُسْتَدْرَكِ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ. لَكِنَّهُمْ نَقَضُوا، فَغَزَاهُمْ سَنَةَ ثَمَانٍ وَفَتَحَ مَكَّةَ. وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مَعَهُ.
قَوْلُهُ (فَأَتَوْهُ) تَقْدِيرُهُ: أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فِي طَلَبِ إِتْيَانِ الرَّكْبِ فَجَاءَ الرَّسُولُ يَطْلُبُ إِتْيَانَهُمْ فَأَتَوْهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ﴾ أَيْ: فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ. وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي الْجِهَادِ أَنَّ الرَّسُولَ وَجَدَهُمْ بِبَعْضِ الشَّامِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ تَعْيِينُ الْمَوْضِعِ وَهُوَ غَزَّةُ. قَالَ: وَكَانَتْ وَجْهَ مَتْجَرِهِمْ. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: كُنَّا قَوْمًا تُجَّارًا، وَكَانَتِ الْحَرْبُ قَدْ حَصَبَتْنَا، فَلَمَّا كَانَتِ الْهُدْنَةُ خَرَجْتُ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ مَعَ رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ بِمَكَّةَ امْرَأَةً وَلَا رَجُلًا إِلَّا وَقَدْ حَمَّلَنِي بِضَاعَةً. فَذَكَرَهُ. وَفِيهِ: فَقَالَ هِرَقْلُ لِصَاحِبِ شُرْطَتِهِ: قَلِّبِ الشَّامَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ حَتَّى تَأْتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ قَوْمِ هَذَا أَسْأَلُهُ عَنْ شَأْنِهِ. فَوَاللَّهِ إِنِّي وَأَصْحَابِي بِغَزَّةَ، إِذْ هَجَمَ عَلَيْنَا فَسَاقَنَا جَمِيعًا.
قَوْلُهُ: (بِإِيلِيَاءَ) بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا يَاءٌ أَخِيرَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ لَامٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ يَاءٌ أَخِيرَةٌ ثُمَّ أَلِفٌ مَهْمُوزَةٌ، وَحَكَى الْبَكْرِيُّ فِيهَا الْقَصْرَ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا: إِلْيَا، بِحَذْفِ الْيَاءِ الْأُولَى وَسُكُونِ اللَّامِ حَكَاهُ الْبَكْرِيُّ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ مِثْلَهُ لَكِنْ بِتَقْدِيمِ الْيَاءِ عَلَى اللَّامِ وَاسْتَغْرَبَهُ، قِيلَ: مَعْنَاهُ بَيْتُ اللَّهِ. وَفِي الْجِهَادِ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ هِرَقْلَ لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِلَّهِ. زَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ تُبْسَطُ لَهُ الْبُسُطَ وَتُوضَعُ عَلَيْهَا الرَّيَاحِينُ فَيَمْشِي عَلَيْهَا، وَنَحْوَهُ لِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ. وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَاضِدَةٍ مُلَخَّصُهَا أَنَّ كِسْرَى أَغْزَى جَيْشَهُ بِلَادَ هِرَقْلَ، فَخَرَّبُوا كَثِيرًا مِنْ بِلَادِهِ، ثُمَّ اسْتَبْطَأَ كِسْرَى أَمِيرَهُ فَأَرَادَ قَتْلَهُ وَتَوْلِيَةِ غَيْرِهِ، فَاطَّلَعَ أَمِيرُهُ عَلَى ذَلِكَ فَبَاطَنَ هِرَقْلَ وَاصْطَلَحَ مَعَهُ عَلَى كِسْرَى وَانْهَزَمَ عَنْهُ بِجُنُودِ فَارِسَ، فَمَشَى هِرَقْلُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ. وَاسْمُ الْأَمِيرِ الْمَذْكُورِ شَهْرَ بَرَازَ وَاسْمُ الْغَيْرِ الَّذِي أَرَادَ كِسْرَى تَأْمِيرَهُ فَرْحَانُ (١).
قَوْلُهُ: (فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ) أَيْ: فِي حَالِ كَوْنِهِ فِي مَجْلِسِهِ، وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْجِهَادِ: فَأَدْخَلَنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ.
قَوْلُهُ: (وَحَوْلَهُ) بِالنَّصْبِ ; لِأَنَّهُ ظَرْفُ مَكَانٍ.
قَوْلُهُ: (عُظَمَاءُ) جَمْعُ عَظِيمٍ. وَلِابْنِ السَّكَنِ: فَأَدْخَلَنَا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ بَطَارِقَتُهُ وَالْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ وَالرُّومُ مِنْ وَلَدِ عِيصَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ﵉ عَلَى الصَّحِيحِ، وَدَخَلَ فِيهِمْ طَوَائِفُ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ تَنُّوخَ وَبَهْرَاءَ وَسُلَيْحٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ غَسَّانَ كَانُوا سُكَّانًا بِالشَّامِ، فَلَمَّا أَجْلَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَنْهَا دَخَلُوا بِلَادَ الرُّومِ فَاسْتَوْطَنُوهَا فَاخْتَلَطَتْ أَنْسَابُهُمْ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا تَرْجُمَانَهُ) وَلِلْمُسْتَمْلِي: بِالتَّرْجُمَانِ، مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِحْضَارِهِمْ، فَلَمَّا حَضَرُوا اسْتَدْنَاهُمْ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ دَعَاهُمْ ثُمَّ دَعَاهُمْ فَيَنْزِلُ عَلَى هَذَا، وَلَمْ يَقَعْ تَكْرَارُ ذَلِكَ إِلَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَالتَّرْجُمَانُ بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَيَجُوزُ ضَمُّ التَّاءِ اتباعًا، وَيَجُوزُ فَتْحُ الْجِيمِ مَعَ فَتْحِ أَوَّلِهِ حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِالرَّابِعَةِ وَهِيَ ضَمُّ أَوَّلِهِ وَفَتْحُ الْجِيمِ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَغَيْرِهِ بِتَرْجُمَانِهِ يَعْنِي أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولًا أَحْضَرَهُ صُحْبَتَهُ، وَالتَّرْجُمَانُ الْمُعَبِّرُ عَنْ لُغَةٍ بِلُغَةٍ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَقِيلَ: عَرَبِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا) أَيْ: قَالَ التَّرْجُمَانُ عَلَى لِسَانِ هِرَقْلَ.
قَوْلُهُ: (بِهَذَا الرَّجُلِ) زَادَ ابْنُ السَّكَنِ: الَّذِي خَرَجَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ.
قَوْلُهُ: (قُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا) فِي رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ: فَقَالُوا هَذَا أَقْرَبُنَا بِهِ نَسَبًا، هُوَ ابْنُ عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ. وَإِنَّمَا كَانَ أَبُو سُفْيَانَ أَقْرَبَ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجِهَادِ بِقَوْلِهِ: قَالَ مَا قَرَابَتُكَ مِنْهُ؟ قُلْتُ: هُوَ ابْنُ عَمِّي. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَمْ يَكُنْ فِي الرَّكْبِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي اهـ.
وَعَبْدُ مَنَافٍ الْأَبُ الرَّابِعُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَكَذَا لِأَبِي سُفْيَانَ، وَأَطْلَقَ
(١) الذي في تاريخ الطبري (١: ١٠٠٢ طبع ليدن و ٢: ١٤٠ طبع الحسينية بالقاهرة): فرهان، وتدعى مرتبته شهر براز