عَلَيْهِ ابْنَ عَمٍّ لِأَنَّهُ نَزَّلَ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْزِلَةَ جَدِّهِ، فَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ابْنُ عَمِّ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَعَلَى هَذَا فَفِيمَا أُطْلِقَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ تَجَوُّزٌ، وَإِنَّمَا خَصَّ هِرَقْلُ الْأَقْرَبَ لِأَنَّهُ أَحْرَى بِالِاطِّلَاعِ عَلَى أُمُورِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ ; وَلِأَنَّ الْأَبْعَدَ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَقْدَحَ فِي نَسَبِهِ بِخِلَافِ الْأَقْرَبَ، وَظَهَرَ ذَلِكَ فِي سُؤَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟ وَقَوْلُهُ: بِهَذَا الرَّجُلِ، ضَمَّنَ أَقْرَبَ مَعْنَى أَوْصَلَ فَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، وَهُوَ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَوْلُهُ: الَّذِي يَزْعُمُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ يَدَّعِي. وَزَعَمَ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ بِمَعْنَى قَالَ، وَحَكَاهُ أَيْضًا ثَعْلَبٌ وَجَمَاعَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي قِصَّةِ ضِمَامٍ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ. قُلْتُ: وَهُوَ كَثِيرٌ وَيَأْتِي مَوْضِعُ الشَّكِّ غَالِبًا.
قَوْلُهُ: (فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ) أَيْ: لِئَلَّا يَسْتَحْيُوا أَنْ يُوَاجِهُوهُ بِالتَّكْذِيبِ إِنْ كَذَبَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْوَاقِدِيُّ. وَقَوْلُهُ إِنْ كَذَبَنِي بِتَخْفِيفِ الذَّالِ أَيْ: إِنْ نَقَلَ إِلَيَّ الْكَذِبَ.
قَوْلُهُ: (قَالَ) أَيْ: أَبُو سُفْيَانَ. وَسَقَطَ لَفْظُ قَالَ مِنْ رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَأَبِي الْوَقْتِ فَأَشْكَلَ ظَاهِرُهُ، وَبِإِثْبَاتِهَا يَزُولُ الْإِشْكَالُ.
قَوْلُهُ: (فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا) أَيْ: يَنْقُلُوا عَلَيَّ الْكَذِبَ لَكَذَبْتُ عَلَيْهِ. وَلِلْأَصِيلِيِّ عَنْهُ أَيْ: عَنِ الْإِخْبَارِ بِحَالِهِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَقْبِحُونَ الْكَذِبَ إِمَّا بِالْأَخْذِ عَنِ الشَّرْعِ السَّابِقِ، أَوْ بِالْعُرْفِ. وَفِي قَوْلِهِ: يَأْثِرُوا، دُونَ قَوْلِهِ: يُكَذِّبُوا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ وَاثِقًا مِنْهُمْ بِعَدَمِ التَّكْذِيبِ أَنْ لَوْ كَذَبَ لِاشْتِرَاكِهِمْ مَعَهُ فِي عَدَاوَةِ النَّبِيِّ ﷺ، لَكِنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ اسْتِحْيَاءً وَأَنَفَةً مِنْ أَنْ يَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَرْجِعُوا فَيَصِيرُ عِنْدَ سَامِعِي ذَلِكَ كَذَّابًا. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ وَلَفْظُهُ: فَوَاللَّهِ لَوْ قَدْ كَذَبْتُ مَا رَدُّوا عَلَيَّ وَلَكِنِّي كُنْتُ امْرَأً سَيِّدًا أَتَكَرَّمُ عَنِ الْكَذِبِ، وَعَلِمْتُ أَنَّ أَيْسَرَ مَا فِي ذَلِكَ إِنْ أَنَا كَذَبْتُهُ أَنْ يَحْفَظُوا ذَلِكَ عَنِّي ثُمَّ يَتَحَدَّثُوا بِهِ، فَلَمْ أَكْذِبْهُ. وَزَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ: قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِنْ رَجُلٍ قَطُّ كَانَ أَدْهَى مِنْ ذَلِكَ الْأَقْلَفِ، يَعْنِي هِرَقْلَ.
قَوْلُهُ: (كَانَ أَوَّلَ) هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْخَبَرِ، وَبِهِ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى الِاسْمِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟) أَيْ: مَا حَالُ نَسَبِهِ فِيكُمْ، أَهُوَ مِنْ أَشْرَافِكُمْ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. فَالتَّنْوِينُ فِيهِ لِلتَّعْظِيمِ، وَأَشْكَلَ هَذَا عَلَى بَعْضِ الشَّارِحِينَ، وَهَذَا وَجْهُهُ.
قَوْلُهُ: (فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟) وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ، وَالْأَصِيلِيِّ بَدَلَ قَبْلَهُ مِثْلُهُ فَقَوْلُهُ: مِنْكُمْ أَيْ: مِنْ قَوْمِكُمْ يَعْنِي قُرَيْشًا أَوِ الْعَرَبَ. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَعُمُّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْمُخَاطَبِينَ فَقَطْ. وَكَذَا قَوْلُهُ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ وَقَوْلُهُ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ وَاسْتَعْمَلَ قَطُّ بِغَيْرِ أَدَاةِ النَّفْيِ وَهُوَ نَادِرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ صَلَّيْنَا أَكْثَرَ مَا كُنَّا قَطُّ وَآمَنَهُ رَكْعَتَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ النَّفْيَ مُضَمَّنٌ فِيهِ كَأَنَّهُ قَالَ: هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَطُّ.
قَوْلُهُ: (فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟) وَلِكَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ، وَأَبِي الْوَقْتِ بِزِيَادَةِ مِنْ الْجَارَّةِ، وَلِابْنِ عَسَاكِرَ بِفَتْحِ مِنْ وَمَلَكَ فِعْلٌ مَاضٍ، وَالْجَارَّةُ أَرْجَحُ لِسُقُوطِهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَالْمَعْنَى فِي الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: (فَأَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ) (١) فِيهِ إِسْقَاطُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ قَلِيلٌ، وَقَدْ ثَبَتَ لِلْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِيرِ وَلَفْظُهُ: أَيَتْبَعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ؟ وَالْمُرَادُ بِالْأَشْرَافِ هُنَا أَهْلُ النَّخْوَةِ وَالتَّكَبُّرِ مِنْهُمْ، لَا كُلُّ شَرِيفٍ، حَتَّى لَا يَرِدَ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ وَأَمْثَالِهِمَا مِمَّنْ أَسْلَمَ قَبْلَ هَذَا السُّؤَالِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: تَبِعَهُ مِنَّا الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، فَأَمَّا ذَوُو الْأَنْسَابِ وَالشَّرَفِ فَمَا تَبِعَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ.
قَوْلُهُ: (سُخْطَةً) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ، وَأَخْرَجَ بِهَذَا مَنِ ارْتَدَّ مُكْرَهًا، أَوْ لَا لِسَخَطٍ لِدِينِ الْإِسْلَامِ بَلْ لِرَغْبَةٍ فِي غَيْرِهِ كَحَظٍّ نَفْسَانِيٍّ، كَمَا وَقَعَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ.
قَوْلُهُ: (هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ؟) أَيْ: عَلَى النَّاسِ وَإِنَّمَا عَدَلَ إِلَى السُّؤَالِ عَنِ التُّهْمَةِ عَنِ السُّؤَالِ عَنْ نَفْسِ الْكَذِبِ تَقْرِيرًا لَهُمْ عَلَى صِدْقِهِ ; لِأَنَّ التُّهْمَةَ إِذَا انْتَفَتِ انْتَفَى سَبَبُهَا، وَلِهَذَا عَقَّبَهُ بِالسُّؤَالِ عَنِ الْغَدْرِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا) أَيْ: أَنْتَقِصُهُ بِهِ، عَلَى أَنَّ التَّنْقِيصَ هُنَا أَمْرٌ نِسْبِيٌّ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ يَقْطَعْ بِعَدَمِ غَدْرِهِ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِمَّنْ يُجَوِّزُ وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ
(١) هذه الرواية غير رواية اليونينية اهـ مصححه