وَالتَّرْهِيبُ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ عَلَيْكَ وَالدِّلَالَةُ بِقَوْلِهِ: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْبَلَاغَةِ مَا لَا يَخْفَى وَكَيْفَ لَا وَهُوَ كَلَامُ مَنْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ ﷺ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ بِذَلِكَ إِلَى الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشِيرَ بِذَلِكَ إِلَى الْقِصَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ النَّاطُورِ بَعْدُ، وَالضَّمَائِرُ كُلُّهَا تَعُودُ عَلَى هِرَقْلَ. وَالصَّخَبُ اللَّغَطُ، وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ فِي الْمُخَاصَمَةِ، زَادَ فِي الْجِهَادِ: فَلَا أَدْرِي مَا قَالُوا.
قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي) زَادَ فِي الْجِهَادِ: حِينَ خَلَوْتُ بِهِمْ.
قَوْلُهُ: (أَمِرَ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ: عَظُمَ، وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ سُبْحَانَ. وَابْنُ أَبِي كَبْشَةَ أَرَادَ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ لِأَنَّ أَبَا كَبْشَةَ أَحَدُ أَجْدَادِهِ، وَعَادَةُ الْعَرَبِ إِذَا انْتَقَصَتْ نَسَبَتْ إِلَى جَدٍّ غَامِضٍ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ النَّسَّابَةُ الْجُرْجَانِيُّ: هُوَ جَدُّ وَهْبٍ جَدُّ النَّبِيِّ ﷺ لِأُمِّهِ. وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ وَهْبًا جَدَّ النَّبِيِّ ﷺ
- اسْمُ أُمِّهِ عَاتِكَةُ بِنْتُ الْأَوْقَصِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ هِلَالٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ إِنَّ الْأَوْقَصَ يُكَنَّى أَبَا كَبْشَةَ. وَقِيلَ: هُوَ جَدُّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِأُمِّهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ أُمَّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَلْمَى بِنْتُ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ الْخَزْرَجِيِّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ إِنَّ عَمْرَو بْنَ زَيْدٍ يُكَنَّى أَبَا كَبْشَةَ. وَلَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْمُجْتَبَى جَمَاعَةً مِنْ أَجْدَادِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَمِنْ قِبَلِ أُمِّهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُكَنَّى أَبَا كَبْشَةَ، وَقِيلَ: هُوَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَاسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى قَالَهُ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ، وَابْنُ مَاكُولَا، وَذَكَرَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَكَانَتْ لَهُ بِنْتٌ تُسَمَّى كَبْشَةَ يُكَنَّى بِهَا، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَالْخَطَّابِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ خَالَفَ قُرَيْشًا فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَعَبَدَ الشِّعْرَى فَنَسَبُوهُ إِلَيْهِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي مُطْلَقِ الْمُخَالَفَةِ، وَكَذَا قَالَهُ الزُّبَيْرُ، قَالَ: وَاسْمُهُ وَجْزُ بْنُ عَامِرِ بْنِ غَالِبٍ.
قَوْلُهُ: (إِنَّهُ يَخَافُهُ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ اسْتِئْنَافًا تَعْلِيلِيًّا لَا بِفَتْحِهَا وَلِثُبُوتِ اللَّامِ فِي لَيَخَافُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى.
قَوْلُهُ: (مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ) هُمُ الرُّومُ، وَيُقَالُ: إِنَّ جَدَّهُمْ رُومَ بْنَ عِيصَ تَزَوَّجَ بِنْتَ مَلِكِ الْحَبَشَةِ فَجَاءَ لَوْنُ وَلَدِهِ بَيْنَ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ فَقِيلَ لَهُ الْأَصْفَرُ، حَكَاهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي التِّيجَانِ: إِنَّمَا لُقِّبَ الْأَصْفَرَ ; لِأَنَّ جَدَّتَهُ سَارَةَ زَوْجَ إِبْرَاهِيمَ حَلَّتْهُ بِالذَّهَبِ.
قَوْلُهُ: (فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا) زَادَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ: فَمَا زِلْتُ مَرْعُوبًا مِنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى أَسْلَمْتُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ) أَيْ: فَأَظْهَرْتُ ذَلِكَ الْيَقِينَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَقِينَ ارْتَفَعَ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ ابْنُ النَّاطُورِ) هُوَ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ حَارِسُ الْبُسْتَانِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ ابْنِ نَاطُورَا بِزِيَادَةِ أَلِفٍ فِي آخِرِهِ. فَعَلَى هَذَا هُوَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ.
(تَنْبِيهٌ): الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ عَاطِفَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ ابْنُ النَّاطُورِ يُحَدِّثُ فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ فَهِيَ مَوْصُولَةٌ إِلَى ابْنِ النَّاطُورِ لَا مُعَلَّقَةٌ كَمَا زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَا عِنَايَةَ لَهُ بِهَذَا الشَّأْنِ، وَكَذَلِكَ أَغْرَبَ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ فَزَعَمَ أَنَّ قِصَّةَ ابْنِ النَّاطُورِ مَرْوِيَّةٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْهُ لِأَنَّهُ (١) لما رَآهَا لَا تَصْرِيحَ فِيهَا بِالسَّمَاعِ حَمَلَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ: لَقِيتُهُ بِدِمَشْقَ فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ. وَأَظُنُّهُ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ، وَإِنَّمَا وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ كَانَ سُقُفًّا لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى أَسْرَارِهِمْ عَالِمًا بِحَقَائِقِ أَخْبَارِهِمْ، وَكَأَنَّ الَّذِي جَزَمَ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ اعْتَمَدَ عَلَى مَا وَقَعَ فِي سِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ قَدَّمَ قِصَّةَ ابْنِ النَّاطُورِ هَذِهِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ، فَعِنْدَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هِرَقْلَ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَجَزَمَ الْحُفَّاظُ بِمَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا، وَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ فِيمَا وَقَعَ مِنَ الْإِدْرَاجِ أَوَّلَ الْخَبَرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (صَاحِبُ إِيلِيَاءَ) أَيْ أَمِيرُهَا، هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوِ الْحَالِ، أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى الصِّفَةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ، وَالْإِضَافَةُ الَّتِي فِيهِ تَقُومُ مَقَامَ التَّعْرِيفِ. وَقَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا فِي تَقْدِيرِ
(١) ن. خ: كأنه