(سَأَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ أَيْ سَأَلَهُ حِينَ تَزَوَّجَ، وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ جَزَمَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي كِتَابِ النَّسَبِ أَنَّهَا بِنْتُ أَبِي الْحَيْسَرِ أَنَسِ بْنِ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ، وَفِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ أَنَّهَا بِنْتُ أَبِي الْحَشَّاشِ وَسَاقَ نَسَبَهُ، وَأَظُنُّهُمَا ثِنْتَيْنِ، فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ قَالَ: وَلَدَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، الْقَاسِمَ، وَعَبْدَ اللَّهِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ: وَلَدَتْ لَهُ إِسْمَاعِيلَ، وَعَبْدَ اللَّهِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْقَدَّاحِ فِي نَسَبِ الْأَوْسِ أَنَّهَا أُمُّ إِيَاسٍ بِنْتُ أَبِي الْحَيْسَرِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ رَاءٌ وَاسْمُهُ أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ الْأَوْسِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَابْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمْ؛ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: مَهْيَمْ؟ وَمَعْنَاهُ: مَا شَأْنُكَ أَوْ مَا هَذَا؟ وَهِيَ كَلِمَةُ اسْتِفْهَامٍ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكُونِ، وَهَلْ هِيَ بَسِيطَةٌ أَوْ مَرْكَبَةٌ؟ قَوْلَانِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: هِيَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى أَخْبِرْ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ فَقَالَ لَهُ: مَهْيَمْ؟ وَكَانَتْ كَلِمَتَهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الشَّيْءِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ مَهْيَنْ بِنُونٍ آخِرَهُ بَدَلَ الْمِيمِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ: قَالَ: مَا هَذَا؟، وَقَالَ فِي جَوَابِهِ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنَ بْنَ عَوْفٍ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ خُضِبَ بِالصُّفْرَةِ، فَقَالَ: مَا هَذَا الْخِضَابُ، أَعْرَسْتَ؟ قَالَ نَعَمْ الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ (كَمْ أَصْدَقْتَهَا) كَذَا فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَمَعْمَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ: عَلَى كَمْ، وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ، وَزُهَيْرٍ: مَا سُقْتَ إِلَيْهَا وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَفْسِهِ، وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا.
قَوْلُهُ (وَزْنَ نَوَاةٍ) بِنَصْبِ النُّونِ عَلَى تَقْدِيرِ فِعْلٍ أَيْ أَصْدَقْتُهَا، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ أَيِ الَّذِي أَصْدَقْتُهَا هُوَ.
قَوْلُهُ (مِنْ ذَهَبٍ) كَذَا وَقَعَ الْجَزْمُ بِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ، وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ، وَابْنِ عُلَيَّةَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَفْسِهِ بِالشَّكِّ، وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ، وَعَنْ قَتَادَةَ: عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَمِثْلُ الْأَخِيرِ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَنَسٍ: عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ.
قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مِنْ ذَهَبٍ، وَرَجَّحَ الدَّاوُدِيُّ رِوَايَةَ مَنْ قَالَ: عَلَى نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَاسْتَنْكَرَ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى وَزْنَ نَوَاةٍ، وَاسْتِنْكَارُهُ هُوَ الْمُنْكَرُ لِأَنَّ الَّذِينَ جَزَمُوا بِذَلِكَ أَئِمَّةٌ حُفَّاظٌ، قَالَ عِيَاضٌ: لَا وَهْمَ فِي الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ نَوَاةَ تَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ لِلنَّوَاةِ قَدْرٌ مَعْلُومٌ صَلُحَ أَنْ يُقَالَ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَزْنُ نَوَاةٍ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ نَوَاةٌ، فَقِيلَ: الْمُرَادُ وَاحِدَةُ نَوَى التَّمْرِ كَمَا يُوزَنُ بِنَوَى الْخَرُّوبِ وَأَنَّ الْقِيمَةَ عَنْهَا يَوْمَئِذٍ كَانَتْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَقِيلَ: كَانَ قَدْرُهَا يَوْمَئِذٍ رُبْعُ دِينَارٍ، وَرُدَّ بِأَنَّ نَوَى التَّمْرِ يَخْتَلِفُ فِي الْوَزْنِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِعْيَارًا لِمَا يُوزَنُ بِهِ؟ وَقِيلَ: لَفْظُ النَّوَاةُ مِنْ ذَهَبٍ عِبَارَةٌ عَمَّا قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ مِنَ الْوَرِقِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ وَاخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قُوِّمَتْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَقِيلَ: وَزْنُهَا مِنَ الذَّهَبِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، حَكَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ فَارِسٍ، وَجَعَلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ الظَّاهِرَ، وَاسْتُبْعِدَ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةَ مَثَاقِيلَ وَنِصْفًا.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ قَتَادَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ: قُوِّمَتْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثًا وَإِسْنَادُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute