ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ جَزَمَ بِهِ أَحْمَدُ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ وَرُبْعٌ، وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: النَّوَاةُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رُبْعُ دِينَارٍ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ فِي آخِرِ حَدِيثٍ، قَالَ أَنَسٌ: جَاءَ وَزْنُهَا رُبْعَ دِينَارٍ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: النَّوَاةُ رُبْعُ النَّشِّ، وَالنَّشُّ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ دَفَعَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَهِيَ تُسَمَّى نَوَاةً كَمَا تُسَمَّى الْأَرْبَعُونَ أُوقِيَّةً، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو عَوَانَةَ وَآخَرُونَ.
قَوْلُهُ في آخِرَ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: (فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ) لَيْسَتْ لَوْ هَذِهِ الِامْتِنَاعِيَّةَ وَإِنَّمَا هيَ الَّتِي لِلتَّقْلِيلِ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ: فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ قَبْلَ قَوْلِهِ أَوْلِمْ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، وَحُمَيْدٍ، وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَلَوْ رَفَعْتُ حَجَرًا لَرَجَوْتُ أَنْ أُصِيبَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ النَّبَوِيَّةِ بِأَنْ يُبَارِكَ اللَّهُ لَهُ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَعْرَسْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَوْلَمْتَ؟ قَالَ: لَا. فَرَمَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِنَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ، وَهَذَا لَوْ صَحَّ كَانَ فِيهِ أَنَّ الشَّاةَ مِنْ إِعَانَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَ يُعَكِّرُ عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ أَقَلُّ مَا يُشْرَعُ لِلْمُوسِرِ، وَلَكِنَّ الْإِسْنَادَ ضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ: قَالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ قُسِمَ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِائَةُ أَلْفٍ. قُلْتُ: مَاتَ عَنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَيَكُونُ جَمِيعُ تَرِكَتِهِ ثَلَاثَةَ آلَافِ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِتَرِكَةِ الزُّبَيْرِ الَّتِي تَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي فَرْضِ الْخُمُسِ قَلِيلٌ جِدًّا، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ دَنَانِيرَ وَتِلْكَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ كَثْرَةَ مَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَشْهُورَةٌ جِدًّا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَوْكِيدِ أَمْرِ الْوَلِيمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ.
وَعَلَى أَنَّهَا تَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهَا تُسْتَدْرَكُ إِذَا فَاتَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَعَلَى أَنَّ الشَّاةَ أَقَلُّ مَا تُجْزِئُ عَنِ الْمُوسِرِ، وَلَوْلَا ثُبُوتُ أَنَّهُ ﷺ أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ كَمَا سَيَأْتِي بِأَقَلَّ مِنَ الشَّاةِ لَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ أَقَلُّ مَا تُجْزِئُ فِي الْوَلِيمَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْقَادِرِ عَلَيْهَا، وَأَيْضًا فَيُعَكِّرُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ خِطَابٌ وَاحِدٌ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ هَلْ يَسْتَلْزِمُ الْعُمُومَ أَوْ لَا، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ، قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ أَمَرَ بِذَلِكَ غَيْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلَا أَعْلَمُهُ أَنَّهُ ﷺ تَرَكَ الْوَلِيمَةَ فَجَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَنِدًا فِي كَوْنِ الْوَلِيمَةِ لَيْسَتْ بِحَتْمٍ، وَيُسْتَفَادُ مِنَ السِّيَاقِ طَلَبُ تَكْثِيرِ الْوَلِيمَةِ لِمَنْ يَقْدِرْ، قَالَ عِيَاضٌ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا، وَأَمَّا أَقَلُّهَا فَكَذَلِكَ، وَمَهْمَا تَيَسَّرَ أَجْزَأَ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنَّهَا عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ، وَقَدْ تَيَسَّرَ عَلَى الْمُوسِرِ الشَّاةُ فَمَا فَوْقَهَا، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي تَكْرَارِهَا فِي الْأَيَّامِ بَعْدَ قَلِيلٍ. وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا مَنْقَبَةٌ لِسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فِي إِيثَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا ذَكَرَ، وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي تَنَزُّهِهِ عَنْ شَيْءٍ يَسْتَلْزِمُ الْحَيَاءَ وَالْمُرُوءَةَ اجْتِنَابُهُ وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ.
وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمُؤَاخَاةِ وَحُسْنِ الْإِيثَارِ مِنَ الْغَنِيِّ لِلْفَقِيرِ حَتَّى بِإِحْدَى زَوْجَتَيْهِ، وَاسْتِحْبَابُ رَدِّ مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ آثَرَ بِهِ لِمَا يَغْلِبُ فِي الْعَادَةِ مِنْ تُكَلِّفِ مِثْلِ ذَلِكَ، فَلَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّفْ جَازَ. وَفِيهِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ بِقَصْدٍ صَحِيحٍ عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّكَسُّبِ، وَأَنْ لَا نَقْصَ عَلَى مَنْ يَتَعَاطَى مِنْ ذَلِكَ مَا يَلِيقُ بِمُرُوءَةِ مِثْلِهِ، وَكَرَاهَةُ قَبُولِ مَا يَتَوَقَّعُ مِنْهُ الذُّلُّ مِنْ هِبَةٍ وَغَيْرِهَا، وَأَنَّ الْعَيْشَ مِنْ عَمَلِ الْمَرْءِ بِتِجَارَةٍ أَوْ حِرْفَةٍ أَوْلَى لِنَزَاهَةِ الْأَخْلَاقِ مِنَ الْعَيْشِ بِالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا. وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ لِلْمُتَزَوِّجِ، وَسُؤَالِ الْإِمَامِ وَالْكَبِيرِ أَصْحَابَهُ وَأَتْبَاعَهُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا رَأَى مِنْهُمْ مَا لَمْ يَعْهَدْ.
وَجَوَازُ خُرُوجِ الْعَرُوسِ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْعُرْسِ مِنْ خَلُوقٍ وَغَيْرِهِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ التَّزَعْفُرِ لِلْعَرُوسِ، وَخَصَّ بِهِ عُمُومَ النَّهْيِ عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ، وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الصُّفْرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute