للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِي حِذْقِهِ لِكُلِّ صِنَاعَةٍ. وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الرَّوْنَقِ فِي الْوَلَائِمِ الْعَتِيرَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ مَكْسُورَةٌ وَهِيَ شَاةٌ تُذْبَحُ فِي أَوَّلِ رَجَبٍ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْأُضْحِيَّةِ فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهَا مَعَ الْوَلَائِمِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعَقِيقَةِ وَإِلَّا فَلْتُذْكَرْ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَأَمَّا الْمَأْدُبَةُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ فَهِيَ النَّقَرَى بِفَتْحِ النُّونِ وَالْقَافِ مَقْصُورٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةٌ فَهِيَ الْجَفَلَى بِجِيمٍ وَفَاءٍ بِوَزْنِ الْأَوَّلِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

نَحْنُ فِي الْمَشْتَاةِ نَدْعُو الْجَفَلَى … لَا تَرَى الْآدِبَ مِنَّا يَنْتَقِرُ

وَصَفَ قَوْمَهُ بِالْجُودِ وَأَنَّهُمْ إِذَا صَنَعُوا مَأْدُبَةً دَعَوْا إِلَيْهَا عُمُومًا لَا خُصُوصًا، وَخَصَّ الشِّتَاءَ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ قِلَّةِ الشَّيْءِ وَكَثْرَةِ احْتِيَاجِ مَنْ يُدْعَى، وَالْآدِبُ بِوَزْنِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَيَنْتَقِرُ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّقَرَى. وَقَدْ وَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَوَّلُهُ الْوَلِيمَةُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ كَمَا أَشَرْتُ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ حَقٌّ، قَالَ: وَالْخُرْسُ وَالْإِعْذَارُ وَالتَّوْكِيرُ أَنْتَ فِيهِ بِالْخِيَارِ وَفِيهِ تَفْسِيرُ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ الرَّفْعُ وَيَحْتَمِلُ الْوَقْفُ. وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فِي وَلِيمَةِ الْخِتَانِ لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهَا، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَقُّ إِجَابَةٍ فَيُشِيرُ إِلَى وُجُوبِ الْإِجَابَةِ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ثُمَّ عِيَاضٌ ثُمَّ النَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَفِيهِ نَظَرٌ، نَعَمِ الْمَشْهُورُ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ الْوُجُوبُ، وَصَرَّحَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَعَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ، وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ مِنَ الْمَ لِكِيَّةِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَكَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا وَجَبَتْ بِالسُّنَّةِ وَلَيْسَتْ فَرْضًا كَمَا عُرِفَ مِنْ قَاعِدَتِهِمْ، وَعَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَحَكَى ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْإِلْمَامِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إِذَا عَمَّتِ الدَّعْوَةُ أَمَّا لَوْ خُصَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِالدَّعْوَةِ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ تَتَعَيَّنُ.

وَشَرْطُ وُجُوبِهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُكَلَّفًا حُرًّا رَشِيدًا، وَأَنْ لَا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ دُونَ الْفُقَرَاءِ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ، وَأَنْ لَا يَظْهَرَ قَصْدُ التَّوَدُّدِ لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ لِرَغْبَةٍ فِيهِ أَوْ رَهْبَةٍ مِنْهُ، وَأَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُسْلِمًا عَلَى الْأَصَحِّ وَأَنْ يَخْتَصَّ بِالْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ، وَأَنْ لَا يَسْبِقَ فَمَنْ سَبَقَ تَعَيَّنَتِ الْإِجَابَةُ لَهُ دُونَ الثَّانِي، وَإِنْ جَاءَا مَعًا قَدَّمَ الْأَقْرَبَ رَحِمًا عَلَى الْأَقْرَبِ جِوَارًا عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنِ اسْتَوَيَا أَقْرَعَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَتَأَذَّى بِحُضُورِهِ مِنْ مُنْكَرٍ وَغَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ، وَضَبَطَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا يُرَخَّصُ بِهِ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، هَذَا كُلُّهُ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ فَأَمَّا الدَّعْوَةُ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ فَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهَا بَعْدَ بَابَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْلَمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهُ) يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، قَالَتْ: لَمَّا تَزَوَّجَ أَبِي دَعَا الصَّحَابَةَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَنْصَارِ دَعَا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَغَيْرَهُمَا؛ فَكَانَ أُبَيٌّ صَائِمًا فَلَمَّا طَعِمُوا دَعَا أُبَيٌّ وَأَثْنَى، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَتَمَّ سِيَاقًا مِنْهُ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ إِلَى حَفْصَةَ وَقَالَ فِيهِ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَنَحْوَهُ لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لَكِنَّهُ جَنَحَ إِلَى تَرْجِيحِهِ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ بِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ بِغَيْرِ تَقْيِيدٍ كَمَا سَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ الَّذِي سَأَذْكُرُهُ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُنِيرِ.

قَوْلُهُ (وَلَمْ يُوَقِّتِ النَّبِيُّ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ) أَيْ لَمْ يَجْعَلْ لِلْوَلِيمَةِ وَقْتًا مُعَيَّنًا يَخْتَصُّ بِهِ الْإِيجَابُ أَوِ الِاسْتِحْبَابُ وَأُخِذَ ذَلِكَ مِنَ الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ أَفْصَحَ بِمُرَادِهِ فِي تَارِيخِهِ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ فِي تَرْجَمَةِ زُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ كَانَ